مع حلول يوم المرأة الإماراتية في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، تحتفي الدولة بهذا اليوم تحت شعار «المرأة شريك في الخير والعطاء»، تعبيراً عن الدور الذي تقوم به المراة الإماراتية وإسهامها في مسيرة بناء الوطن ونهضته، حيث يحرص المسؤولون على إظهار صورة تعبر عن الاهتمام بمكانة المرأة وحضورها في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.
كما تحرص وسائل الإعلام الرسمية على الترويج لأحاديث تمكين المرأة في الإمارات وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، واللجوء لعرض إحصائيات وأرقام حول واقع المرأة الإمارتية وهو نصف الحقيقة على أهميته، حيث لا يمكن نكران جزئية النهوض بدور المرأة في بعض المجالات، لكن تختفي الإشارة إلى النصف الآخر من الحقيقة، حيث تلفت تقارير حقوقية محلية ودولية إلى صورة مختلفة تعكس وجود تمييز فيما يتعلق بواقع المرأة في الإمارات على مختلف الصعد سياسياً وحقوقياً واقتصاديا بناء على موقفها السياسي أو موقف أحد ذويها.
وضع المرأة وسط أصحاب القرار
وللمرأة الإماراتية وضع خاص بين الدول الخليجية والعربية، لا سيما فيما يتعلق بتعيين المراة في المناصب الرسمية، حيث جاء تشكيل المجلس الوطني الاتحادي ليشمل تعيين ثماني نساء، وتكون نسبة حضور المرأة في عضوية المجلس، 22 في المئة، وانتخاب الدكتورة أمل القبيسي رئيسة للمجلس، فيما بلغ تمثيل المرأة في مجلس الوزراء بتشكيلته الجديدة 27.5%، بعد دخول خمس وزيرات جديدات، ليبلغ عدد الوزيرات في الحكومة ثماني وزيرات، وعدد الإماراتيات في السلك الدبلوماسي والقنصلي بمقر وزارة الخارجية 175، بالإضافة إلى عدد من النساء العاملات في السلك الدبلوماسي في البعثات الخارجية لدولة الإمارات.
وتشير الإحصاءات التي تنشرها وسائل الإعلام الرسمية إلى أن مساهمة المرأة الإماراتية في سوق العمل بلغت 32.8% عام 2015، كما ارتفعت نسبة الموظفات الإناث إلى 27.6% من إجمالي عدد المواطنين الذين تم توظيفهم خلال الفترة ذاتها من نسبة الموظفين المدنيين العاملين في الحكومة الاتحادية، و تشغل 30% من الوظائف القيادية العليا، و15% من الوظائف الفنية والأكاديمية، حيث تتخذ وسائل الإعلام الرسمية هذه الأرقام دليلا على نيل المرأة حقوقها وتميزها.
حقائق مغيبة
على الجانب الآخر تتجاهل الصحافة الرسمية مناقشة هموم المرأة الإماراتية فلا تناقش العديد مما تواجه المراة من مشاكلها ولا أوضاعها ولا ارتفاع نسبة العاطلات عن العمل، ولا أولئك النساء اللواتي يبحثن عن علاج لأطفالهن في صفحات الصحف اليومية، واضطرار كثير منهن للعمل بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وحالة القلق التي يعشنها إثر المخاوف من حوادث اعتداء الخادمات على الأطفال لا سيما بعد ولادتهن لمواليد جدد واضطرارهن للعودة إلى العمل وترك صغارهن بين أيادي الخادمات، بحسب شكاوى نشرتها صحف رسمية.
كما لا تسلط وسائل الإعلام الإماراتية الضوء على أن 2000 إماراتية بمؤهلات عليا يتقدمن لطلبات بحاجتهن لمساعدات من الضمان الاجتماعي في الدولة، وأولئك المعلمات اللواتي فضلن المغادرة عن مهنة التدريس بسبب ضعف "الراتب" وزيادة الضغط عليهن بالحصص؛ ليتم استقدام مدرسين من دول أخرى، لتعليم بنات الإمارات، وظاهرة العنف ضد المرأة حيث تشير الدراسات إلى أن 95 بالمائة من العنف ضد المرأة غير مُعلنة، و 70 بالمائة يكون العنف جسدياً.
كما تتناسى وسائل الإعلام الحقوق السياسية للمرأة إذ أن نحو 65% من الإماراتيين نصفهم من النساء محرمون من المشاركة في حق اختيار ممثليهم بالمجلس الوطني، في حين يتم اختزال تمكين المرأة سياسيا عبر تعيين عدد منهم في مناصب حكومية عليا تفتقر بعضها لسلطة حقيقية، كما أنه وبرغم المحاولات الرسمية للتسويق لصورة تحقق المساواة بين الرجل والمرأة في الإمارات؛ تشير التقارير الدولية لواقع مغاير حيث احتلت دولة الإمارات المرتبة 124 من أصل 144 دولة حول العالم في التقرير السنوي الـ11 لمؤشر المساواة بين الرجل والمرأة لعام 2016 ، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي خلال شهر نوفمبر.
وتشير إحصائية ا لوزارة تنمية المجتمع أن إجمالي عدد المواطنات المسجلات على قوائم مساعدات الضمان الاجتماعي، تجاوزن 2000 حالة حتى الربع الأول من العام الجاري.
الواقع الحقوقي للمرأة الإماراتية
وهذه الصورة التي تصدرها وسائل الإعلام حول تمكين المرأة الإماراتية تخفي ورائها انتهاكات تتعرض لها نساء إماراتيات على خلفية مواقفهن السياسية واو مواقف أزواجهن وعائلاتهن السياسية أو نشاطهم الحقوقي، فحول الواقع الحقوقي للمرأة الإماراتية تشير تقارير حقوقية إلى انتهاكات لحقوق بعض من نساء الامارات بسبب دفاعهن عن حقوق الانسان و ممارستهن لحرية التعبير، سواء عبر منعهن من السفر كما هو حال زوجات وعائلات المعتقلين ضمن قضية "الإمارات 94" .
كما تعرضت نساء إماراتيات لحملات الملاحقة الأمنية والاعتقالات السياسية على خلفية قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، ومن أبرز قضاياهن الحكم الصادر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بسجن "أمينة العبدولي" خمس سنوات بسبب تغريدات لأمينة على موقع تويتر مع معلومات أشار لها مركز الإمارات لحقوق الإنسان حول تعرض كل من موزة العبدولي وشقيقتها أمينة لعدة انتهاكات خلال فترة احتجازهن في زنازين أمن الدولة.
.
وشملت حملات التضييق الأمني سحب الجنسيات من عدد من المواطنات، حيث سحب جهاز أمن الدولة الجنسية عن اثنتين من بنات الدكتور محمد الصديق عضو اتحاد علماء المسلمين الدكتور محمد المعتقل ضمن قائمة "الإمارات 94" إضافة لشقيقيهن، وسحب جنسية زوجة الإماراتي عبيد علي الكعبي في أبريل 2016 والتي جرّدت من جنسيتها بالتبعية بعد إسقاط جنسية زوجها دون أدنى ضمانات ودون محاكمة.
التمكين الحقيقي للمراة
لذا فاستكمال تمكين المرأة الإماراتية الحقيقي يجب أن يشمل نساء الإمارات دون تمييز على أساس الاختلاف السياسي أو طبيعة النشاط الحقوقي لهن أو لذويهن ، مع العمل على تعزيز دورها في بناء وتنمية الوطن بشكل حقيقي وفعال عبر إجراءات تعزز من مشاركتها في صنع القرار وليس الاقتصار على تعيينات رمزية لغايات الترويج الإعلامي، فالمرأة الإماراتية أثبت قدرتها وفعاليتها في بناء نهضة الوطن، مما يستدعي تعزيز العمل على ضمان كرامة المرأة وتوفير احتياجاتهن وعدم التمييز بين المرأة الإماراتية سواء من كانت منهن موالية لسياسات الحكومة أو معارضة لها، بحيث تبقى حقوق المرأة بعيدة عن أي استخدام لها كوسيلة ضغط على أزواجهن أو أقاربهن من الناشطين السياسيين والحقوقيين.