قال باحث أميركي إن السعودية تُخطئ في التقدير إذا التمست السلوى من دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لسياساتها الإقليمية.
وبغض النظر عما تقوم به الولايات المتحدة، فإن السعودية بدأبها المستمر على توجيه انتقادات لاذعة لإيران، وتزامن ذلك مع فرضها حصارا على دولة قطر -زميلتها في مجلس التعاون الخليجي- إنما تضعف على الأرجح موقفها وتقوض ما تبقى من نظام سياسي عربي هو في الأصل معرض للخطر، على حد تعبير روس هاريسون الباحث في معهد الشرق الأوسط والأستاذ بجامعة جورجتاون الأميركية.
ويرى هاريسون في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" تحت عنوان "السعودية تُضعف نفسها وتُقوي إيران"، أن مثل هذه التصرفات الرامية إلى "تركيع" إيران لن تفضي إلى شيء سوى تقوية عضد طهران.
ويطرح الكاتب السؤال التالي: كيف يتأتى للسعودية تقويض موقفها بتصعيد نزاعها مع إيران والسعي لإجبار قطر على الانصياع لها؟
ومع أن السعودية تتمتع بالعديد من المزايا العسكرية على إيران بفضل علاقتها الأمنية بالولايات المتحدة، فإنها تستمد معظم قوتها السياسية في المنطقة من "مكانتها القوية" في العالم العربي، غير أن النظام العربي من الهشاشة بمكان بسبب ما أصابه من "تآكل" جراء الحروب الأهلية التي تعصف بكل من العراق وليبيا وسوريا واليمن.
وعلى الرغم من أن إيران تمثل بوضوح تهديدا للمصالح السعودية، فإن الوهن الذي اعترى الصف العربي بفعل تداعيات ثورات الربيع العربي والحروب الأهلية يُعد التحدي الأكبر الذي تواجهه الرياض، وبمثابة الفرصة الأعظم لطهران.
ثم إن تصعيد نبرة العداء تجاه إيران من شأنه أن يطيل على الأرجح أمد تلك الحروب، كما ينطوي على خطر إضعاف العالم العربي أكثر فأكثر.
إن ما يعتمل الآن في سوريا داخل صفوف المعارضة السنية للرئيس بشار الأسد يُعد تجلياً لما تمثله الانشقاقات وسط الدول العربية من تهديد للسعودية أعظم من التحدي الذي تواجهه من إيران. وعلى النقيض من التحالف الشيعي بقيادة إيران الداعم للحكومة السورية، وهو تحالف يصفه كاتب المقال بأنه "منضبط ومحكم المتانة"، فإن المعارضة السنية تعاني من "التشظي العميق".
فالمئات من فصائل المعارضة المختلفة من الجماعات "الجهادية" المسلحة مثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) إلى المجموعات السلفية "غير الجهادية" كجيش الإسلام وأحرار الشام، وحتى الفصائل "الأقوى" من قبيل الجيش السوري الحر "العلماني"، جميعها منشغلة بصياغة شكل وطبيعة المناطق التي ما تزال خارج نطاق سيطرة الحكومة كمحافظة إدلب مثلا.
ولا يتوقع روس هاريسون أن تشكل تلك الجماعات السنية المعارضة "تهديدا وجوديا" للأسد "أو حتى إيران" على المدى القريب؛ نظرا للدعم الذي تحظى به الحكومة السورية من إيران وروسيا والمليشيات الشيعية. ومع تعرض مواقعها في سوريا للخطر الروسي والإيراني بالإضافة إلى محاولات تخفيف حدة التصعيد من جانب إيران وروسيا وتركيا بما يرجح كفة الحكومة، فإن تلك الجماعات -لا سيما هيئة تحرير الشام- قد تتفرغ في نهاية المطاف للعالم العربي، مما قد يجعل النسيج السياسي العربي أكثر وهناً، الأمر الذي قد ينطوي على تحديات أمنية وسياسية للسعودية، حسب الكاتب.
وبعبارات أخرى، فإن التبعات الناجمة عن انخراط المجموعات السنية في القتال بسوريا، ربما تطفح وتطول أجزاء أخرى من العالم العربي، مما قد يقوض موقف السعودية أكثر إزاء إيران.
ثمة خطر آخر -يقول هاريسون في مقاله بفورين بوليسي- هو أن دولة قطر قد تبتعد أكثر عن فلك مجلس التعاون الخليجي. ومع أن قطر ظلت تنتهج سياسة خارجية مستقلة، فإنها درجت على التعاون مع السعودية في العديد من المبادرات كالحرب في اليمن على سبيل المثال. وإن احتمال أن تصبح الدوحة في فلك تركيا وإيران اللتين "توفران لها الآن طوق نجاة"، سيمثل خسارة فادحة للرياض.
وأشار المقال إلى أن المسار الذي تتبعه الرياض حاليا سيؤدي إلى تفتيت الجهود وتعريض الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية للخطر.
وأخيرا، فإن التصرفات السعودية ستمنح على الأرجح الأجنحة داخل مؤسسة السياسة الخارجية الإيرانية قدرات أكبر لاستغلال جوانب الضعف في العالم العربي.
وخلص هاريسون إلى أن ما يجب على الولايات المتحدة فعله إلى جانب دعمها المحاولات السعودية لخلق توازن قوى في مواجهة إيران، هو تشجيع الرياض على فتح مسار دبلوماسي موازٍ مع طهران، والسعي نحو إيجاد حل سلمي لخلافها مع قطر.
وختم بالقول إن السبيل الوحيد للخروج مما سماه "المستنقع الإقليمي الحالي" هو بتبني سياسة تقوم على احتواء إيران ممزوجة بجهود دبلوماسية إلى جانب التعاون من أجل وضع حد للحروب الأهلية المنهكة في المنطقة.