طالبت "رابطة علماء السنة" في إسطنبول، السبت، "برفع الحصار الظالم الذي تفرضه عدد من الدول العربية على دولة قطر"، مؤكدة أن "الأمة يجب أن تؤدي واجبها في رفض الظلم والبغي".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي للرابطة (مقرها تركيا)، حول إعلان عدة دول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر؛ في (5|6)، في أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات، بحسب "الخليج أونلاين".
وفيما يلي نص بيانُ العلماءِ بشأنِ أزْمةِ الخليجِ والأحداثِ الجاريةِ
[اسطنبول 15 رمضان 1438هـ الموافق 10 يونيو 2017م]
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وآلِهِ وصَحْبِهِ ومَن والاهُ، وبعد،،
فقد تابعَ العلماءُ الموقِّعونَ على هذا البيانِ الحصارَ الظالمَ الذي فرضتْهُ بعضُ الدولِ العربيةِ على دولةِ قطر، دونَ بيِّنةٍ واضحةٍ، ودونَ ذريعةٍ مستساغةٍ شرعًا ولا عقلاً، ويتعجبونَ من الدُّولِ التي سارعتْ في تأييدِ هذا الإجراءِ الذي يُعَدُّ في الأعرافِ الدوليةِ «إعلانَ حربٍ»، كما يأسفونَ أشدَّ الأسفِ للبياناتِ التي صدرتْ عن هيئاتٍ ومؤسساتٍ دينيةٍ تؤيِّدُ هذا الحصارَ الظالم، ورأتْ فيه تحقيقَ المصلحة!!
وإذ يرفضُ العلماءُ هذا الحصارَ ويرَونَهُ حرامًا قطعًا، ويستنكرونَ البياناتِ التي أيدتْ الحصارَ، فإنهم يؤكِّدونَ على ما يلي:
أولاً: الحصارُ الذي قامتْ به بعضُ الدولِ العربيةِ، على رأسِها السعوديةُ والإماراتُ، لدولةٍ شقيقةٍ وشعبٍ مسلمٍ هو حصارٌ محرَّمٌ شرعًا، يَزيدُ إثْمُهُ في شهرِ الرَّحماتِ والبَرَكاتِ، والمشاركةُ فيه لا تجوزُ بأيِّ وجهٍ من الوجوه؛ إذ الضررُ ممنوعٌ، وإيقاعُ السوءِ والأذى والضررِ بالإنسان – فضلا عن شعبٍ كامل – بلا سببٍ شرعيٍّ حقيقيٍّ هو مما حرَّمتْهُ الشريعةُ في نصوصِها المتواترةِ تحريمًا قطعيًا، قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). [سورة الحجرات: 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلمُه ولا يُسْلمُه». [رواه البخاري ومسلم]، ويرى العلماءُ أنَّ هذا الحصارَ وتأييدَه هو من بابِ موالاةِ أعداءِ المِلَّةِ والأُمّةِ، ومعاداةِ اللهِ ورسولِه والمؤمنين.
ثانيًا: يُطالبُ الموقِّعون برفعِ هذا الحِصارِ الظالمِ؛ فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، ومثلُ هذه السياساتِ الظالمةِ ستَزيد من الآثارِ الكارثيةِ بانتشارِ الفتنِ والاضطراباتِ في المنطقةِ، ومضاعفةِ الإحباطِ لدى الشبابِ وفِقدانِ ثقتهِ في أي أملٍ، وضياعِ هُويَّتِه وانتمائِهِ لقضايا أُمَّته العربيةِ المسلمةِ، وتعاطفِه أو انجذابِه لتياراتِ العنفِ والإرهابِ.
ثالثًا: التضامنُ والتآخي على الحقِّ، والاهتمامُ بأمرِ المسلمين وإنكارُ الظلمِ الواقعِ عليهم هو من صُلبِ عقيدةِ المسلمِ وأخلاقِه وشريعتِه، وسَجنُه أو تغريمُه بسبب ذلك محادّةٌ للشريعةِ وحقوقِ الإنسانِ الأساسيةِ التي كفَلَتْها الشرائعُ الإلهيةُ والقوانينُ الدوليةُ.
رابعًا: يؤكِّدُ الموقِّعونَ على البيانِ أنَّ مقاومةَ المُحتَلِّ في فلسطينَ وغيرِها حقٌّ قرَّرَتْه كلُّ الأديانِ وجميعُ القوانينِ، وأنه لا يجوزُ خِذلانُ هذه المقاومةِ وَلا وَصْفُها بالإرهابِ من العربِ والمسلمينَ؛ فضلاً عن العلماءِ، ويرون تجريمَها خيانةً للأمةِ والدينِ، وخروجًا عن سننِ التاريخِ في تحريرِ الأرضِ والمُقَدَّساتِ.
خامسًا: البياناتُ التي أيَّدتْ الحصارَ والقطيعةَ الصادرةُ عن الأزهرِ، ورابطةِ العالمِ الإسلامي، ومنتدى تعزيز السلم، وغيرِهما! لا تمتُّ إلى الفقهِ والشريعةِ بصِلَةٍ، بل هي بياناتٌ سياسيةٌ تخالفُ أدنى قواعدِ الشريعةِ ولغةِ الفقهِ والأخلاقِ، ومبنيةٌ على دَعاوى ظالمةٍ، ولم تَقُمْ على دليلٍ أو برهانٍ؛ لقولِهِ تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [سورة النمل: 64]. ولا على تَبَيُّنٍ حقيقيٍّ؛ لقولِه تعالى: (فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [سورة الحجرات: 6]. أو بَيِّناتٍ واضحةٍ لحديثِ: (لو يُعطى الناسُ بدعواهم، لادّعى رجالٌ أموالَ قومٍ ودماءَهم، لكنَّ البيّنةَ على المدّعي واليمينَ على من أنكر). [حديثٌ حسنٌ، رواهُ البيهقي وغيره هكذا، وبعضُه في الصحيحين]، والباب مفتوح أمامهم للعودة إلى الحق، فمراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، ووظيفةُ العالِم أن يتوسَّطَ بين الحكامِ والشُّعوبِ، وأنْ يمارِسَ دَورَه في الصَّدْعِ بالحقِّ والنصحِ والإرشادِ، لا أنْ يكونَ أداةً في يَدِ البَغْيِ والظلمِ يُصرّفها كيف يشاء!. وإذا لم يستطعْ قولَ الحقِّ فلا يَمدحِ الباطلَ.
سادسًا: يُبَيِّنُ العلماءُ للجنودِ والضُّباطِ والموظفينَ في أي بلدٍ كانوا حرمةَ المشاركةِ في حصار مسلمين، أو التورطِ في دماءٍ محرمةٍ؛ فإنَّ الفقهاءَ متفقونَ قديمًا وحديثًا على أنَّ الإكراهَ ليس عذرًا في القتل: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا). [سورة المائدة: 32].
سابعًا: يرى الموقِّعونَ أن إدراجَ قاماتٍ علميةٍ كبيرةٍ، على رأسِها العلامةُ الشيخُ يوسفُ القرضاوي، على قوائمِ الإرهابِ هو اعتداءٌ سافرٌ على وَرَثةِ الأنبياءِ ومصابيحِ الهُدى، دونَ بَينةٍ أو دليلٍ، وهو إساءةٌ لقدوةِ العلماءِ في الأمةِ، ومحاصرةٌ للخطابِ الراشدِ، وتزكيةٌ لخطابِ تياراتِ التكفيرِ والتفجيرِ.
ثامنًا: نُحَيِّي الدول وبعض الأطراف الدولية والعلماء الأحرار الذين صَدَعُوا بالحقِّ ووقفوا موقفًا شرعيًّا في إدانةِ هذا الموقفِ الظالمِ، وننصحُ العلماءَ عامةً أنْ يقوموا بواجِبِهم في الصَّدْعِ بالحقِّ والثباتِ على المواقفِ الأخلاقيةِ بعيدًا عن مُمالَأةِ هذه السلطةِ أو تلك، وأنْ يقوموا لله ببيانِ الحُكمِ الشرعي، وكذلك الأمةَ بشعوبِها الأصيلةِ عليها أن تقومَ بواجِبِها في رفضِ الظلمِ والبغيِ وأَطْرِ الظالمينَ على الحق أطْرًا، ويرى العلماء أن من وراءِ هذه الأحداثِ الخيرَ الكثيرَ للأمةِ بإذنِ اللهِ ما استمسكتْ بكتابِ ربِّها وسنةِ نبيِّها، وسعتْ سَعْيَها للهِ وهي مؤمنةٌ، واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السبيلَ"، على حد تعبير ما ختم البيان.
في المقابل اعتبر مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ أن الإجراءات المتخذة ضد قطر، «أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم»، مضيفاً أن هذه القرارات «مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع». ولكن آل الشيخ لم يوضح وجه المنفعة للقطريين جراء هذه "الإجراءات".