هل نجحت التكنولوجيا الرقمية ومواقع الإعلام الاجتماعي في اختراق خصوصية الحياة الشخصية، وفي تدني العلاقات الاجتماعية للأفراد داخل الأسرة وخارجها؟ وهل يصح القول إن الوقت قد حان للعودة إلى الذات، وإلى متع التأمل والتفكير وألق تبادل الزيارات العائلية ورفقة الأصدقاء، خصوصاً بعد تحول المخاوف والانتقادات نحو «بعبع الإنترنت» الحديث، المسؤول عن عزوف الجيل الجديد عن الحياة الاجتماعية في سبيل تكريس عشقهم الجديد للعوالم الافتراضية، وقد انتشرت أخيراً دعوات ملحة لـ«حمية إلكترونية» اتفق على تسميتها «ديجتال ديتوكس» أو «الصوم الرقمي»، إذ بدأ خبراء ينادون بها للحد من هذه الظاهرة المقلقة على الصعيدين الاجتماعي والصحي للأفراد.
ويتوقع خبراء تنامي أهمية وجود وظيفة «أخصائي معالجة التسمم الرقمي»، بوصفها من الوظائف المستقبلية التي تزداد أهميتها خلال السنوات الـ10 المقبلة، مع بروز «مرض» التسمم الرقمي، خصوصاً بعد انتشار ظاهرة «الارتهان» لوسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، وبروز ظواهر اجتماعية ومرضية مرتبطة بإدمان استخدام الإنترنت.
وتؤمن هبة السمت، رئيسة فرع النادي العالمي للإعلام الاجتماعي في الإمارات، بأن «الأجهزة الذكية أدوات مذهلة يجب أن نمتلكها ولا يمكن أن تمتلكنا»، حيث لاحظت، أخيراً، عزوف بعض مستعملي الهواتف الذكية والأجهزة التقنية عن عدد من العادات السيئة والاستعمالات المفرطة لمقتنيات التكنولوجيا في حياتهم، وبروز ظاهرة «الديجيتال ديتوكس» أو الصوم الرقمي الذي اعتبرته مفيداً جداً، إذ «يرجعنا إلى زمان كنا فيه أكثر قدرة على التعرف إلى أنفسنا وإلى الآخر، كما كنا أكثر تركيزاً على فصل أنفسنا عن تداعيات هذا الاتصال الوثيق الذي يأسرنا في دائرة ضيقة، ويفصلنا عن العالم الخارجي».
وتتابع «تحدي (الديجيتال ديتوكس) الذي انفصلت به مؤقتاً عن أجهزتي الذكية جعلني أنتبه إلى انغماسي المفرط في الحياة الافتراضية، وبُعدي عن عدد من التفاصيل الاجتماعية المهمة، لهذا السبب أنصح الجميع بتحديد طبيعة علاقتهم بالتكنولوجيا أولاً، ودرجات الاستفادة منها، والحزم في اتخاذ قرار الانفصال عنها حين يصبح الأمر منذراً ببعض الاختلالات الجسدية والنفسية».
وفي مقابلة تلفزيونية خاصة بقناة دبي الأولى، دعا الباحث في علم الاجتماع بالمركز الوطني للبحث الاجتماعي في لندن، الدكتور حميد الهاشمي، إلى ضرورة إيجاد بدائل اجتماعية للتقليل من خطر «الاستعمالات الباثولوجية» للإنترنت، أو ما يعرف بحمية «الديجتال ديتوكس»، التي تتلخص في تنظيم وبرمجة الوقت بصورة عامة، وخلق بيئة متوازنة يتحرك فيها الشخص بين عوالم الأجهزة الذكية والحياة الاجتماعية اليومية.
ويقول «نحن بحاجة إلى المزيد من الوعي بعيداً عن المستوى القهري الذي يمكن أن يترتب عن الابتعاد الكلي أو الحرمان، ومردوداتهما السلبية، وذلك من خلال تقسيم أوقات التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وإعطاء الفرد فرصة للابتعاد عنها بمعدل يومي معقول على مدار الأسبوع».
ويضيف «لاشك أن الأجهزة الإلكترونية كرست النزعة الفردية عند الأشخاص، سواء في محيط العائلة أو على مستوى المحيط الاجتماعي الضيق للفرد، لكنها أوجدت بالمقابل علاقات افتراضية تنطوي على الكثير من المحاذير، خصوصاً بالنسبة لفئة الأطفال والمراهقين الفاقدين للتوجيه النفسي المستمر، في ظل الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة التي تشير إلى ارتفاع مخاطر التوحد والأمراض النفسية المتأتية من الإدمان الإلكتروني».