أحدث الأخبار
  • 01:37 . حصة يومية للغة العربية لرياض الأطفال في أبوظبي... المزيد
  • 01:36 . الحوثيون: 4 قتلى و67 جريحاً في غارات إسرائيلية على صنعاء... المزيد
  • 01:34 . السودان.. البرهان يتوعد بإسقاط التمرد والجيش يحبط هجمات للدعم السريع في الفاشر... المزيد
  • 01:01 . فرنسا تستدعي سفير أمريكا لانتقاده تقاعسها بمكافحة معاداة السامية... المزيد
  • 12:57 . مجلس الأمن يصوّت على تمديد مهمة اليونيفيل بجنوب لبنان... المزيد
  • 12:55 . أبو شباب.. خيوط تمتد من غزة إلى أبوظبي في مشروع يستهدف المقاومة... المزيد
  • 10:38 . حملة مقاطعة "شلة دبي" تتحول إلى صرخة ضد التفاهة وصمت المشاهير عن غزة... المزيد
  • 10:03 . مظاهرات عالمية واسعة تطالب بإنهاء الإبادة الإسرائيلية في غزة... المزيد
  • 06:18 . أكثر من 12 ألف عملية اختراق عبر شبكات "الواي فاي" في الإمارات منذ بداية العام... المزيد
  • 12:25 . محمد بن زايد يزور أنغولا لتعزيز التبادل الاقتصادي... المزيد
  • 12:06 . انسحاب فرق موسيقية من مهرجان في بريطانيا بعد إزالة علم فلسطين... المزيد
  • 11:41 . الإمارات تعلن إدخال أكثر من 300 شاحنة مساعدات إلى غزة منذ فتح المعابر... المزيد
  • 11:31 . وزارة التربية تكشف عن التوقيت الرسمي المعتمد للمدارس الحكومية... المزيد
  • 12:18 . اليمن.. مقتل ما لا يقل عن ثمانية جراء السيول... المزيد
  • 12:50 . "التعاون الخليجي" يدعو المجتمع الدولي إلى إلزام "إسرائيل" بفتح المعابر فوراً... المزيد
  • 12:44 . جيش الاحتلال يواصل جرائمه بحق المدنيين في غزة... المزيد

وماذا عن مسؤولية المجتمعات؟

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 12-05-2016


أحد الأسئلة الأساسية التي تطرحها الفلسفة هي: هل المجتمع في أساسه تجمع مجموعة من الأفراد، لا أكثر ولا أقل، أم أن الأفراد تخلقهم مجتمعاتهم التي يعيشون فيها؟ هذا سؤال مرتبط مباشرة بحرية الإنسان: هل يمارس حريته كفرد مستقل حسب قناعاته العقلية والضميرية، أم أنه يمارس حريته حسب ما يقوله المجتمع أو ما يسمح به؟
لنحاول فهم الموضوع من خلال نتائج الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت منذ بضعة أيام في لبنان. إن أغلبية الشعب كانت غير راضية، بل وساخطة ومصابة بالقرف والإحباط، بسبب عدم كفاءة البلديات في قيامها بمهماتها المجتمعية. ووصل عدم الرضا ذاك إلى قمته في تظاهرات جماهيرية صاخبة بسبب أزمة جمع القمامة والتخلص منها، عندما امتلأت شوارع مدن وقرى لبنان بالقمامة وروائحها الكريهة.
كرد فعل لتلك الأزمة كان من المفترض أن تخرج نسبة هائلة من الشعب اللبناني لتصوت، وتخرج كل أعضاء المجالس السابقين، وتأتي بوجوه جديدة نظيفة كفؤة. لكن ذلك لم يحدث، فنسبة المنتخبين كانت هزيلة، والتصويت ذهب لصالح قوائم الأحزاب المتّهمة بالفساد والطائفية وخدمة العائلات الغنية المتنفذة.
لقد أثبت ذلك المشهد اللبناني، وهو مثل واحد من مئات الأمثلة العربية المماثلة، أن أغلبية الأفراد اللبنانيين لم يتصفوا كأفراد أحرار مستقلين خاضعين لعقولهم وضمائرهم، وإنما تصرفوا كنتاج لما تمليه ثقافة مجتمعهم الطائفية العشائرية الخاضعة في قيمها لمصالح أقليات المال والوجاهة الطائفية والعائلية في المجتمع اللبناني. لقد ضرب الفرد اللبناني بعرض الحائط مشاعره الشخصية وآماله المجتمعية ومواقفه الغاضبة السلبية تجاه طبقة الحكم السياسية، والتي عبر عنها في تظاهرات بيروت الصاخبة الرائعة منذ بضعة شهور، واستبدلها بالخضوع لإملاءات الطائفة والحزب وزعيم المنطقة وبممارسة انتهازية للسياسة.
في لبنان، كما في كل الأرض العربية، نحن إذاً أمام مجتمع ينتقد سلطة الحكم في بلده ليل نهار، ويخرج عليها أحياناً بالتظاهرات والاعتصامات وأحياناً بالسلاح، لكنه يظلُ في كل المناسبات ممارساً لعادات وسلوكيات بدائية متخلّفة تزيد في بؤسه وعجزه وهوانه أمام سلطة حكم الدولة. إنه مجتمع يتكلم عن الحرية ولكنه لا يمارس متطلبات وجودها، ينتقد الفساد ولكنه لا يقاومه في داخله، يتكلم ويثرثر ويطلق النكات عبر التواصل الاجتماعي ولكنه لا يقلبها إلى فعل سياسي، حتى عندما يحصل على فرصة لعمل ذلك.

لا نعني بذلك الحكم القاسي على مجتمعاتنا تبرئة أنظمة الحكم التي تضع العراقيل تلو العراقيل، عبر السنين والقرون، أمام نضوج المجتمعات ومؤسساتها المدنية، فقد كتب الكثير عن تلك العراقيل. لكننا معنيون بالتذكير بأن الدولة هي مكونة في الأساس من مجتمع وسلطة حكم.

ولما كانت سلطات الحكم ملأى بالمثالب ونقاط الضعف، فإن الدولة العربية لن تخرج من ضعفها وفشلها التنموي وخضوعها للخارج وعجزها عن ممارسة العقلانية والعدالة والتجديد والانخراط في العصر، لن تخرج إلا إذا قام المجتمع، ممثلاً في الأساس بأفراد ملتزمين ومؤسسات مدنية نشطة وفاعلة، بمسؤولياته تجاه دولته. مسؤولية المجتمعات العربية في إخراج دولها من الجحيم الذي تعيشه الآن أصبحت مسؤولية تاريخية ثقيلة ومعقدة، ولكنها ملحُة ومصيرية.

لكن المجتمعات التي لا تستطيع أن تثور على نفسها، على نقاط الضعف فيها، على كل تخلف في ثقافتها، على كل تراث بليد استلهمته من تاريخها، حتى تخلق أفراداً أحراراً جديدين فاعلين، فإن تلك المجتمعات ستضيف عجزها إلى عجز الحكم العربي التاريخي، والعجزان سيقودان إلى دول فاشلة كسيحة كما نراها الآن ماثلة أمامنا عبر الوطن العربي، إذ يعيش بؤساً تاريخياً لم ير مثيله.
لنتمعن في غياب المجتمعات، القادرة الفاعلة المتحررة من بلادات ثقافتها وسلوكياتها وعاداتها، في فلسطين وهي تواجه الصهيونية المغتصبة، في الدولة الليبية وهي تصارع الموت والاندثار، في دولة سوريا وهي تنزلق نحو أن تصبح جيفة مهترئة، في دول المغرب العربي وعدم التقدم ولا بخطوة واحدة نحو اتحاد مغاربي حقيقي غير صوري، في دولة مصر وهي تواجه الإرهاب والدمار الاقتصادي وإمكانية الرجوع إلى الاستبداد الأمني، في دولة العراق وهو يواجه التقسيم والنهب والجهاد التكفيري بأدوات سياسية طائفية فاسدة تراوح مكانها وباستجداء بائس للخارج ليخرجه مما هو فيه، في دولة اليمن وهي ترى تضحيات شعبها لتحرير دولته من الاستبداد والفساد تذهب هباء في صخب مداولات لا تنتهي في الكويت.
الأمثلة كثيرة حيث في كل مكان يلعب اللاعبون الخارجيون بتناغم مع سلطات الفساد في الداخل، بينما لا يشعر الإنسان بأن هناك مجتمعات لها كلمة وإرادة تنظيم في فعل وليس في بكاء أو حسرة أو وقوف المتفرج أو في قبول أن تصبح هي، المجتمعات، أدوات في يد القوى الطائفية أو القبلية أو العسكرية أو المالية أو حتى الخارجية.
المجتمعات، كأفراد ومؤسسات، تحتاج لأن تراجع ما فعلته هي بنفسها لتنتقل إلى ما يجب أن تفعله لإنقاذ نفسها وإنقاذ دولها.