تعرف الرأسمالية بأنها صراع ملحمي بين المخاطر والفوائد. وأسهل طريقة لفهم الاضطراب الحالي في أسواق الأسهم العالمية يأتي بعد الإقرار بأن الإثنين تراجعا. فتصاعدت المخاطر أكثر من ذي قبل، وتراجعت الفوائد إلى حدودها الدنيا.وحينها لم يسع المستثمرين إلا أن يبيعوا وبهذا انتصر الخوف على الجشع وهو بطبيعة الحال ما يزيد من مخاطر البيع، على كل حال هذه قصة قديمة.
وربما هذا قد يكون مضللاً أيضاً، فعلى الرغم من عمليات البيع الشديدة التي تمت في عام 2016، وخسارة الأسهم الأمريكية قرابة 7.4% من قيمتها أي ما يعادل 1.8 تريليون دولار. فإن العديد من الاقتصاديين يشككون في أن هذا قد يكون مقدمة للركود. وهو ما تقوله شركة ويلشر للاستشارات الاقتصادية والتي تقول أنه لا يوجود ما يبرر الاضطراب الحالي في الاسواق. وفي تقييم من شركة كابيتال ايكونومكس الاستشارية قيمت فرص ركود الاقتصاد الامريكي بنسبة تصل إلى 21% ودعت الولايات المتحدة والبنك الدولي إلى العمل لتجنب الإنكماش المتوقع في 2016.
يقول بنك نورمورا في الولايات المتحدة أن أساسيات الاستهلاك لا تزال قوية، ومن المرجح الحفاظ على معدلات نمو فوق التصاعد في البناء السكني الكبير.بالإضافة إلى أن النظام المصرفي يعيش مستوى جيداً من الرأسمالية. وتشير هذه الملاحظة إلى الخسائر الكبيرة التي منيت بها البنوك في الكساد العظيم والتي تسببت في الكثير منها لخفض الإقراض.
وبالمثل، فالصين تعاني من ركود ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل معدلات النمو في الاقتصاد الصيني إلى 6.3% عام 2016 بعد أن كانت ولسنوات كثيرة سابقة تتجاوز ال 10% وعلى الرغم من ذلك فإن النمو الاقتصادي الصيني يبقى أعلى من معدلات بلدان أخرى كثيرة. وهو ما يعني ان الاقتصاد الصيني يتباطؤ لكنه لن ينهار.
وعلى الطرف الآخر، هناك تفسيرات لا تحمل تطمينات كافية. فمن المحتمل أن تعاكس اسواق الاسهم العالمية التوقعات القائمة للاقتصاد خاصة الناشئة منها، وهي الخاصة بالبلدان متوسطة الدخل كالصين والبرازيل وروسيا والمكسيك وأندونيسيا والهند وغيرها. هذه الدول مجتمعة تشكل قرابة نصف الاقتصاد العالمي وحتى وقت قريب كان من المتوقع أن يشهد العالم نمواً شاملاً. أما الآن فالواقع يقول أن الصين ليست الوحيدة في المعاناة هذه خاصة وأن النمو السريع السابق في اقتصادات العالم اعتمد بشكل كبير على ارتفاع أسعار السلع والاقتراض غير المستقر.
ولو صدقت هذه النظرية، فعمليات بيع أسهم الشركات حول العالم تمثل استجابة منطقية لانخفاض التوقعات الاقتصادية "من الناحية النظرية على الأقل فإن أسعار الأسهم تعكس قيمة اليوم من أرباح المستقبل"، ولسوء الحظ فإن هذه النظرية تدعمها جزئيتين صغيرتين للغاية.
الجزئية الأولى هي النفط. فمنذ منتصف 2014 هبطت أسعاره إلى قرابة 30 دولار للبرميل الواحد بعد أن كانت 100 دولار تقريباً.. تقليدياً تبدو هذه الانخفاضات بمثابة النعمة. وبالتالي فإن إمكانية تقليل الإنفاق على الطاقة يصبح أمراً وارداً للغاية. ولكن تلام أسعار النفط المنخفضة على التسبب أيضاً بالانهيار الاقتصادي والضغط على الأسهم لمستويات قياسية منخفضة، فلماذا؟
قد يكون جزء من التفسير أن الأسعار المنخفضة عطلت الكثير من مشاريع التنقيب والتطوير الجديدة وتم إلغائها لعدم توفر السيولة حالياً. فشركات النفط ألغت ما قيمته 1.6 تريليون دولار من المشاريع حتى العام 2019. وتقدر الشركات الاستشارية أن هذه الإلغاءات تؤدي إلى فقدان المشاريع والوظائف التي كانت ستوفرها بالطبع وتمثل من ناحية أخرى عبئاً على الاقتصاد العالمي وإلى حد ما فإن هذا مبرراً كافياً لانخفاض أسعار الأسهم لكنه لن يكون بالتأكيد نهاية القصة.
"يقول روجر ديوان أحد المستشارين الاقتصادين أن النفط هو عرض من الأعراض فقط. إنها أعراض اقتصادات الأسواق الناشئة المخيبة للآمال، انخفاض أسعار النفط لم يأت فقط بسبب زيادة المعروض، بل أتت بالأساس من تراجع الطلب وهو ما يأتي بشكل كبير من دول الأسواق الناشئة لكونها أضعف مما كان مفترض.
أما الجزئية الثانية التي تستند عليها النظرية سالفة الذكر فهي "تدفقات رأس المال" وهو ما نقصدبه تحركات الأموال داخل وخارج الدولة. فلسنوات جذبت الأسواق الناشئة المليارات من تدفقات استناداً إلى فرص الربح الجذابة ولكن في نهاية 2014 و2015 شهدت بلدان الأسواق الناشئة 846 بليون دولار من صافي التدفقات وفق تقديرات معهد التمويل الدولي. هذا ما دفع المعهد للقول بأن هروب رأس المال يخضع للعديد من الأسباب المعقدة ولكن واحد منها هو القلق بشأن الأسواق الناشئة من حيث أداء ومديونية الشركات.
وبهذا يتخلى المستثمرون عن سندات الأسهم في الأسواق الناشئة خوفاً من انخفاض الاسهم مجدداً وبالتالي عجزهم عن سداد السندات، التي هي بالفعل واقعة تحت الضغط. وتحت تأثير التحولات السابقة، انخفضت الأسهم بنحو 80% في البرازيل وروسيا و50% في الصين و40% في الهند والمكسيك وفقاً لبيانات معهد التمويل الدولي أيضاً.
وفي النهاية، لا شيء من هذا قطعي، فقد يكون - كما يعتقد الكثير من الاقتصاديين- أن التوجه العالمي لبيع الأسهم هو جزء آخر من طريقة التصرف غيرالواعي والسير مع الجماعة، وهو البيع الذي يأتي بمعزل عن الأزمة الاقتصادية وإن صح ذلك فهذا لا يعني أبداً أن الاقتصاد العالمي مذهل في أداءه.
من الممكن أن يحدث التراجع في الأسهم ذاتياً. لقد جاء الكساد العظيم ووقع كالصدمة على الجميع لأنها كان عميقاً وغير متوقعاً. وجعل كل من المستهلكين ومديري الأعمال يخشون المخاطر بشكل أكبر من ذي قبل. وهذه المخاطر الآن تتمثل في سقوط الشركات وخفض الإنفاقات والمخزونات بما يتسبب بالركود الذي يحاول الجميع تجنبه.
ويرتبط الأمر هنا بشكل أو بآخر باقتصاد الدولة، فأسواق الأسهم فيها شهدت تراجعاً كبيراً، حتى أن سوق دبي للأوراق المالية لم يشهد في عام 2015 سوى 56 يوماً إيجابياً. وهو معدل قليل للغاية مقارنة بما كان الحال عليه في السابق.
هذا بالإضافة إلى التاثر المباشر بالشركات العالمية والتي تملك الكثير من الاستثمارات في الدولة، وربما تقوم بسحبها مثلما فعلت شركة "شيل" والتي ألغت عقداً لاستثمار حقل غاز في ابوظبي.
النظام العالمي يسير بشكل متحد، وإن كان في طريقه للانهيار، فالانهيار هذا سيشمل الجميع بلا استثناء بما فيه الدول المصدرة والمستودرة للنفط والاعتماد هنا لاحقاً على احتياطات الدول وقدرتها على الصمود.
قد تشهد الفترة القادمة تعمقاً في الأزمة الاقتصادية يؤدي إلى انهيار دول بأكملها أو انهيار اقتصادات كاملة وهو ما قد يعد باباً لفتح حروب إقليمية جديدة وامتلاك برامج ذات أولوية مغايرة.