ذاكرة الإماراتيين قوية بما يكفي للكشف عن أية وعود أو تصريحات إعلامية أو بالونات اختبار من هذا المسؤول أو ذاك. الصحة والعلاج والخدمات الطبية في الدولة من أكثر القطاعات معاناة في استقطاب الأطباء والممرضين من داخل الدولة أو خارجها. وأسعار الأدوية المرتفعة هي أحد التحديات التي يواجهها الإماراتيون اليوم ومنذ مدة طويلة.

وزير الطاقة سهيل المزروعي كان قد صرح في يوليو الماضي أثناء "معاركه الإعلامية" في تبرير رفع أسعار البترول في الدولة رغم انهيار أسعاره عالميا من أن الأموال المحصلة جراء ذلك سوف يجدها الإماراتيون تنعكس عليهم في الصحة والتعليم والرفاه والحفاظ على البيئة وتقليل الازدحام، إلى آخره. ومع ذلك، فإن الميزانية لم تشهد أي زيادة لأي قطاع من القطاعات التي زعم الوزير أنها سوف تزيد مخصصاتها، بل إن مجمل الميزانية كله انخفض عن ميزانية العام الماضي.

عجز ميزانية الصحة

تزعم وزارة المالية أن ميزانية عام 2016 جاءت بدون عجز، رغم عدم وجود مخصصات لمشروعات قائمة أو من المفترض أن تنشأ، وما يفسر "عدم العجز" هو وقف تمويل هذه المشروعات إذ يتم الإنفاق على قدر الموارد المالية، ولكن يتم تسويق أن الميزانية بدون عجز على اعتبار أن الموراد سوف تغطي جميع النفقات، وهذا ليس صحيح، إذ ما يتم هو الإنفاق على قدر الموارد التي لا تفي بكل الاحتياجات، وذلك على حساب تعثر الوزارات والمشروعات.

فقد كشف تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والصناعية في المجلس الوطني الاتحادي في شأن ميزانية 2016، أنه لم تدرج وزارة الصحة تعديل الكادر المالي الطبي ضمن ميزانيتها، ولم تخصص ميزانية وزارة الصحة اعتمادات مالية لإنشاء مراكز خاصة للتسمّم الغذائي، ومباني خاصة بالعزل الطبي وتزويدها بالكادر والأجهزة المناسبة، ومراكز صحية متخصصة للأمراض المعدية. 

وأشار التقرير إلى ارتفاع نسبة استهلاك الفرد للدواء في الإمارات التي تتصدر قائمة الدول العربية في هذا المجال، حيث وصل المتوسط إلى 80 دولاراً سنوياً، مقابل 52 دولاراً في دول الخليج العربي و3،20 دولار في دول عربية أخرى. 

وذلك بسبب ارتفاع أسعار الدواء في الدولة بصورة كبيرة جدا مقارنة مع الدول الخليجية والعربية الأخرى، وكان حري أن توجه الدولة رفع أسعار الوقود لدعم أسعار الدواء أو تقوم بتخفيض أسعار الدواء كما هو الحال في الدول القريبة الأخرى إذ لا فرق في المنتوجات الدوائية في الخليج مثلا سوى غلاء الأسعار في الإمارات.
وأوضح التقرير أنه يقدر حجم السوق الدوائي في الدولة ب 11 مليار درهم مع نهاية عام 2014 ، ويشمل ذلك الإنفاق الدوائي الحكومي الاتحادي والمحلي والقطاع الخاص وإعادة التصدير، ومتوقع استمرار نموّ سوق الصناعات الدوائية في الدولة.
كما كشف التقرير عن تسجيل 34 إصابة بالإيدز من إجمالي 279 ألفاً تم فحصهم لإصدار الإقامة أو تجديدها في عام 2012.
وأشار التقرير إلى أن إدارة الشكاوى والتحقيقات الطبية في هيئة الصحة في أبوظبي، أشارت إلى أن الإدارة تشهد ارتفاعاً في معدل الشكاوى التي يتم تدقيقها شهرياً، حيث استقبلت في عام 2012 ، 228 شكوى طبية بمعدل 19 شكوى.
وأوضح التقرير تدني رواتب الأطباء المواطنين في وزارة الصحة الذي يقارب 15 ألف درهم، بينما تصل رواتب حاملي شهادة الثانوية العامة في الهيئات الأخرى إلى 20 و25 ألف درهم، والسبب في مشكلة نقص الأطباء والكوادر الطبية بشكل عام، هو أن 95% من العاملين في المجال الطبي هم من خارج الدولة و40% من جنسيات آسيوية و6% فقط مواطنون، حسب اللجنة المالية في المجلس الوطني.

دور المجلس الوطني المغيب

ليس وظيفة المجلس الوطني تعداد أو رصد مشكلة هنا أو ازمة هناك ولكن من وظيفته المفترضة الرقابة والتشريع والمساءلة و مطالبة الحكومة والوزرات على توسيع المخصصات ومراجعة الميزانية و تحسين الخدمات التي وعد بها الناخبين. فعضو المجلس يمثل مصالح المواطنين بالمطالبة بحقوقه بإلحاح وليس "الاطلاع" على ما تقوم به الحكومة والجهات المعنية "للتوقيع عليها" وتسويقها فيما بعد أن هذا قانون أو قرار اتخذته السلطة التشريعية التي تمثل الإماراتيين، رغم أن الجميع يدرك أن هذا المجلس الذي يتم انتخاب نصف أعضائه من جانب 17% من المواطنين من أصل 35% ممن سمح لهم بالاختيار.

إن واجب المجلس الوطني أن يكشف للرأي العام لماذا أسعار الدواء مرتفعة، وما هي خططه ومشاريعه لدعم هذه الأسعار إذا كانت بالفعل مرتفعة لأسباب تصنيعية وليس لأسباب تجارية.