أحدث الأخبار
  • 12:10 . ماكرون: فرنسا والسعودية تقودان مساراً ملزماً للاعتراف بفلسطين... المزيد
  • 12:09 . الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري... المزيد
  • 11:34 . استطلاع: أغلبية الأمريكيين يؤيدون الاعتراف بفلسطين ودعم المدنيين في غزة... المزيد
  • 10:50 . رغم مخالفته الشريعة وهوية الدولة.. تسجيل 43 ألف عقد "زواج مدني" في أبوظبي منذ 2021... المزيد
  • 10:48 . انخفاض درجات الحرارة وفرصة أمطار غداً في بعض المناطق... المزيد
  • 09:58 . قرقاش: الإمارات ثابتة في دعم حقوق الفلسطينيين وأهالي غزة... المزيد
  • 09:58 . انتخابات تاريخية للمجلس الإسلامي في إثيوبيا بمشاركة أكثر من 13 مليون ناخب... المزيد
  • 02:03 . التربية: إلغاء امتحانات الفصل الثاني وتطبيق منهج الذكاء الاصطناعي... المزيد
  • 02:03 . الكرملين: بوتين أطلع ولي العهد السعودي على نتائج محادثاته مع ترامب... المزيد
  • 02:02 . مقتل 27 على الأقل في هجوم على مسجد أثناء صلاة الفجر شمالي نيجيريا... المزيد
  • 10:09 . لجنة برلمانية بريطانية: أبوظبي تمارس قمعًا عابرًا للحدود وانتهاكًا لسيادة المملكة المتحدة... المزيد
  • 10:08 . "إسرائيل" تصادق على خطط احتلال غزة وتستدعي عشرات الآلاف من جنود الاحتياط... المزيد
  • 10:07 . برعاية أمريكية.. الكشف عن مباحثات "سورية ـ إسرائيلية" في باريس لخفض التصعيد بجنوب سوريا... المزيد
  • 05:42 . ترامب يعلن عن ترتيبات للقاء بين بوتين وزيلينسكي... المزيد
  • 05:37 . بوركينا فاسو تعلن منسقة الأمم المتحدة شخصا غير مرغوب فيه... المزيد
  • 05:35 . عشرات الشهداء بينهم 5 أطفال في هجمات إسرائيلية على غزة منذ الفجر... المزيد

الأب الروحي لداعش

الكـاتب : عبد العزيز الحيص
تاريخ الخبر: 30-11-2015


تأمل البعض باستغراب حال الانتحارية التي فجرت نفسها مؤخرا في فرنسا، فبحسب شهادة أخيها ومعارفها لم تكن قريبة من التدين، وكذلك كانت حالة بلال حدفي أحد انتحاريي باريس.

هذه الدعوى عن ابتعاد المحسوبين على تنظيم الدولة المعروف بـ «داعش» عن التدين مشتهرة حتى في البلدان العربية. يتحدث السعوديون أو السوريون وغيرهم عادة عن فلان صاحب التاريخ الإجرامي الذي تحول إلى مقاتل داعشي بسرعة خاطفة. ومعظم الفرنسيين المشاركين في العملية الأخيرة بباريس كان لديهم تاريخ إجرامي. هذا لسبب أن التنظيم يركز على المنضمين حديثا إلى الإسلام أو التائبين؛ لأنهم يأتون كصفحة بيضاء يحرص قادة التنظيم على ملئها بما أرادوا.

هذه نقطة ترشح أن التنظيم ليس دينيا، فهو لديه مشكلة عميقة مع الإسلاميين قبل غيرهم. في كتاب «إدارة التوحش» لأبوبكر ناجي، وهو الكتاب الذي يعتبره البعض دستورا فكريا لداعش، يقول ناجي: «فعلى فرض أننا نحتاج لمعركتنا الطويلة حتى تنتهي، كما نريد نصف مليون مجاهد، فإن إمكانية ضم هذا العدد من أمة المليار أسهل من ضمهم من شباب الحركة الإسلامية الملوث بشبهات مشايخ السوء، فشباب الأمة على ما فيهم من معاص أقرب للفطرة، وخبرات العقود السابقة أثبتت لنا ذلك».

بمرور الوقت أخذ داعش بأعماله يصادم الإسلاميين، فسياسات الرق والاستعباد، وطرق القتل المستهجنة، والجزية، واستباحة الجماعات الإسلامية الأخرى، كلها أمور مستجدة قبل عقد من الآن لم تكن ترد على بال أعتى المتطرفين. أخلاقيات قادة التنظيم هشة، ولذا نجدهم لم ينسحبوا إلى الدفاع عنها والمحاججة والجدل حول ما يفعل التنظيم من شنائع. لكن دعائيتهم الصورية والشعارية استمرت في جلب الأعداد، ولذا الشاب أو الفتاة العابثين والمنفذين لعمليات التنظيم إنما هم على دين ملوكهم.
إذاً ليس التدين رابط التنظيم وأساسه، بل العصبية. تنظيم داعش الذي بدل اسمه سبع مرات، قتل بالعصبية، ثم أصبحت عقدته التي بنى عليها نفسه. لقد عاش أسوأ سنواته وعاش طريدا، مختفيا من محافظات العراق في نهاية العقد الأخيرة أمام حرب القبائل عليه. الأخيرة لم تستجب لدعوة أسامة بن لادن حين أراد التوسط بينها وبين التنظيم، وحاول دعوتها لتجاوز الأخطاء التي وقعت. التنظيم الذي تعطش لامتلاك حدوده وجغرافيته الخاصة، لأنها حل اغتراب الجماعة واغتراب الفرد بغض النظر عن مسائل التدين والسياسة، تتضح طبيعة ارتياحه وهدوئه في العراق وتكيفه وليونته مع السكان مقارنة بأفعاله في سوريا.

هذا المزاج الحاد في العصبية والترابط المحتاج إلى مكان كان من نتائجه الانتقال من العدو البعيد إلى القريب، واختيار استهداف الشيعة على الأميركان، ثم اختيار الجماعات الإسلامية على الشيعة. حين أتى الأب الروحي إلى العراق وأسس تنظيمه الذي تطور بالنهاية إلى داعش، ليس بالضرورة أنه كان مختارا وبشكل مسبق استهداف الشيعة، فهذا لم يكن ضمن أجندة تنظيم القاعدة الذي أتى منه، لكن الظروف على الأرض، واحتاج هذا القيادي إلى تأييد العصبة له، ما جعله يميل إلى هذا الاستهداف. لذا اضطر أن ينتظر لسنوات حتى اعترف به بن لادن الذي كان رافضا استهدافه للشيعة.

تأسيس التنظيم لدولته مثّل عاملا جاذبا للأفراد ولغيرهم من الجماعات للانضمام، تلك الجماعات قديمة ولم تتأصل عبر التنظيم وليست جزءا منه، ولكنها احتاجت لإعلان الولايات طمعا في الاستقلال في حدودها مثله، والارتباط به بحثا عن الزخم. هذا يشبه ما حدث للإمبراطوريات تاريخيا، أو حتى الدول الحديثة، فهي لم تتوسع فقط عبر مقدرتها على القتال، بل عبر مكاسب الدخول السلمي للمناطق معها. وهذا ينطبق على تنظيم الدولة فمن انضموا له في سيناء أو ليبيا وشمال نيجيريا أو المتطرفون في فرنسا أتوه كمكاسب جاهزة، لذا عدم القضاء على التنظيم في العراق بالذات سيبقي استمرارية التمدد الخارجي مفتوحة ومفاجئة كل مرة. تعرض التنظيم للضغوطات وكونه أصبح مهددا بعد خساراته لمناطق عدة منها تكريت وسنجار وكوباني، وبعد زيادة القصف والتضييق على خطوط إمداده، دفعته إلى محاولة الاستفادة من مكاسب تبعية هذه الجماعات، فركز التنظيم مؤخرا على توسعة تهديده الخارجي، رغم أن الصراع مع العدو البعيد لم يكن من أدواته التي عمل عليها سابقا.

لا يزال قادة التنظيم ومشاهير أتباعه يؤرخون لمسيرتهم الجهادية عبر حقبة الأب الروحي للتنظيم أحمد فاضل، أو أبومصعب الزرقاوي. نستطيع تفهم كيف أن التنظيم بالفعل يمثل حالة جديدة وغير دينية تماما، عبر تطبيق سلوك هذا الملهم على التنظيم والاتباع. الزرقاوي شبه أمي، كان مهمشا في أفغانستان في نهاية التسعينيات، أو لم يهتم له بن لادن وغيره من قيادات القاعدة لأنهم أكثر تعلما، وهو لم يكن مرغوبا حتى لدى الأخير. لكن الزرقاوي الذي كان بدوره صاحب ماض عابث، وإجرامي، كان عال الطموح وشرس جدا، معبأ بغريزة القتال بلا أدبيات تكبح أو تقيد، مثل تنظيمه. تواري قادة تنظيم القاعدة بعد حرب أفغانستان، ولد المساحة لأمثال الزرقاوي للتقدم. ومقتل وسجن ما يقارب الخمسين قيادي من تنظيم الزرقاوي خلال سنوات القصف في العراق، دفع بقيادات جديدة، أعقبت التنظيم بشكله الحالي.. المشكلة أنهم في كل مرة يأتون بنسخة أردأ من السابقة!