أحدث الأخبار
  • 07:34 . "سي إن إن": "إسرائيل" تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية... المزيد
  • 07:31 . ترقية قائد الجيش الباكستاني إلى مارشال بعد اشتباكات الهند.. فمن هو عاصم منير؟... المزيد
  • 09:43 . السودان يتهم أبوظبي بالوقوف وراء هجوم بورتسودان... المزيد
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد
  • 11:56 . انطلاق الدورة الرابعة من "اصنع في الإمارات" في أبوظبي... المزيد
  • 11:56 . تحوّل "كلية ليوا" إلى "جامعة ليوا" بعد اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي... المزيد
  • 11:16 . ترامب يشيد بالعلاقات مع الإمارات وقطر والسعودية... المزيد
  • 11:09 . روسيا تحظر نشاط منظمة العفو الدولية... المزيد
  • 11:08 . القبض على سوري مشتبه به في طعن خمسة أشخاص بمدينة بيليفيلد الألمانية... المزيد
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية إثر سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد

للشهيد الجنّة.. وللغاصب السكّين!

الكـاتب : أحمد بن راشد بن سعيد
تاريخ الخبر: 21-10-2015


واهم من يظن أن الأمة تموت. مخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني يغضي على الضيم. جاهل من يعتقد أن ما سُمِّي بثورات الربيع العربي لفظت أنفاسها بعد أن أجهضت روحها الثورات المضادة. هنا أمة لا تنسى ثأرها، بيد أنها قد «تهدأ كي تستجنّ الحمم» بحسب الشاعر الفلسطيني العظيم يوسف الخطيب. كان الليل كالحاً، وزاده سواداً بدء دولة المافيا الروسية عدواناً إرهابياً على الشعب السوري مدفوعاً بشريعة الغاب، وعربدة صهيونية غير مسبوقة في وقاحتها ودمويتها على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى. وفي لحظة واحدة، تبدد الوهم، وتهاوت العنكبوت. في الجزء الشرقي من القدس المحتلة (وهو التعبير الصحيح البديل عن «القدس الشرقية المحتلة») إنسان عربي يتشبث بالحياة والمقدسات والكرامة. لا قهر الاحتلال ينال من عزيمته، ولا طول القهر يفتّ في عضده. منذ احتلال هذا الجزء عام 1967، والكيان الصهيوني ينفّذ خططاً ليس لابتلاعها فحسب، بل لكسر إرادة أهلها، وإثقالهم بالتكاليف الباهظة للصمود فيها، أو «استفزازاهم من الأرض» بحسب الاستعارة القرآنية. لكن الإنسان لا تخضعه الدراسات، ولا يُدار بأجهزة التحكم. الفلسطيني ليس طارئاً على الأرض، ومشاريع «الاحتواء» لا تنسيه أنه متجذر فيها، وقد علّمته سنون النكبة أن خروجه من بيته كالخروج من جلده، ليس إلا مسخاً وسلخاً. شهدنا بأم أعيننا صمود الآلاف من المقدسيين، وإصرارهم على الانزراع في مدينتهم، حتى بعد أن هدم الصهيوني بيوتهم، أو سلبها منهم بالقوة. شهدنا كيف يسكنون في خيام بجانب بيوتهم المدمرة، فيأتي الصهيوني ليقوّضها، فيبنون خيمة بدل الخيمة، وكأنهم يتمثلون بقول توفيق زيّاد: كأننا عشرون مستحيلْ، في اللدِّ والرملة والجليلْ، يا جذرَنا الحيَّ تشبّثْ، واضربي في القاع يا أصولْ!
ظن الصهيوني أن ابتلاع القدس مَهَمَّة تكللت بالنجاح، وأنها باتت نائية عن الضفة الغربية وقطاع غزة. ظن أن سرقة هذه المدينة التي تهفو إليها قلوب مئات الملايين من المسلمين أمر غير قابل للإلغاء، وكان لديه بعض الحق، فالجزء الغربي من المدينة سقط في يده عام 1948، والجزء الشرقي سقط بسهولة في عام 1967. لكن ترويض شرقي القدس لم يكن سهلاً، واستغرق عقوداً، «أسرل» فيها اللص الأسماء، و «هوّد» الأماكن، وحاول إنتاج رواية ملفّقة للتاريخ. تقلصت القدس التي اغتصبها الصهيوني من المدينة المعروفة تاريخياً إلى «القدس الشرقية»، ثم «أورشليم القدس»، ثم «القدس المختلطة» التي تتمدد في أحيائها العربية شبكة من «المستوطنات»، وتطوقها شبكة أخرى من خارج المدينة، ليصبح اليهود، في نهاية المطاف، أغلبية، بينما يتضاءل عدد العرب بفعل الطرد أو القتل أو هدم المنازل أو الخنق بالأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية. ورافقت جهود الأسرلة المحمومة خطة صدّقت عليها حكومة الاحتلال في 29 حزيران (يونيو) 2014 تنظر إلى الأحياء الشرقية في القدس بوصفها مناطق فقيرة، لا مناطق محتلة، وترصد موازنة قدرها 25 مليون دولار لتحسين ظروفها المعيشية وتطوير بنيتها التحتية. كما تعمل الخطة على إغراء الشباب المقدسي بالارتباط بالمؤسسات الإسرائيلية، وتشجعهم على الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، الأمر الذي يأمل من خلاله مهندسو الخطة في تحقيق رفاه اقتصادي ينأى بالشباب عن التطلع إلى الحرية والتحرر. طالما حاول الاحتلال «ترويض» المواطن المقدسي الصامد بإغرائه بامتيازات شتى كالجنسية الإسرائيلية، ومشروع «الخدمة المدنية» الذي يُسوَّق بوصفه عملاً تطوعياً لخدمة المجتمع، وهو انخراط في مؤسسات تابعة لبلدية الاحتلال مقابل راتب شهري قدره 300 دولار.
كل هذه الجهود تنتهي لحظةَ ينتفض فتى من أجل المسجد الأقصى، أو يغضب من إهانته عند حاجز تفتيش. لا شيء يمنع فيضان المكبوت والمقهور. لا قبة حديدية تستطيع منع «مفك» قرر مواطن غرسه في ظهر مستوطن، ولا طائرة أباتشي تستطيع تدمير «منصّة» للسكاكين، ولا استخبارات قادرة على التنبؤ باللحظة التي ينطلق فيها سائق فلسطيني ليطأ جسد غاصب أتى من بروكلن في نيويورك ليهدم بيته ويقتلع زيتونه. لا يمكن للسياسات التي صُمّمت لإعادة تشكيل المسلوب والمقموع أن تحتال على وعيه النضالي، وتنسيه رائحة الأرض وزهر البرتقال. هنا يستل الفلسطيني سكينه ليعيد تذكير اللص بحقيقته، ويعيد كتابة الرواية من جديد. هنا يقف الضحية أمام جلاده ندّاً لند محقّقاً توازن القوى الذي لم تستطع الجيوش تحقيقه. هنا تتهاوى الصورة أمام الحقيقة، ويتفوق صاحب الأرض على سارقها بقيَمه الأخلاقية. السكين تقذف بالحق على الباطل فتدمغه، فإذا هو زاهق. السكين تعيد القضية إلى المربع الأول. كأني أستمع الآن إلى محمود درويش هاتفاً:
أيها المارّون بين الكلمات العابرة
منكمُ السيفُ ومنّا دمُنا
منكمُ الفولاذُ والنارُ ومنّا لحمُنا
منكمو دبابةٌ أخرى ومنّا حجرُ
منكمو قنبلةُ الغاز ومنّا مطرُ
عبثاً تحاول «إسرائيل» أن تحافظ على «أمنها» من خلال تدجين أهل القدس الذين لا يساومون ألبتة على مدينتهم، ولا على حريتهم. ربما لا يدرك العالم كله أن المقدسي يعتقد أنه مؤتمن من الله ليحمي المسجد الأقصى حتى لحظة التحرير. الخرافة لا تصمد أمام الإيمان وإن كانت مدججة بأنواع الأسلحة.
الصمود حتمٌ لا خيار. للشهيد الجنة، وللغاصب السكين.. والحجر.