أحدث الأخبار
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:52 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

لا مكان للاختباء

الكـاتب : عبد العزيز الحيص
تاريخ الخبر: 19-10-2015


كتب أحد الصحافيين مرة «الشفافية الكاملة كابوس، فالجميع يملكون شيئاً يخفونه». هنالك جدل قديم حول المراقبة. الكثير يرونها جيدة، فالدولة تحمي الناس من الأشرار فقط. آخرون، رأوا أنها تمثل إشكالاً كبيراً، فالمراقبة الجماعية على الناس، لا تستهدف المشتبهين فقط وبشكل قانوني، بل تتجاوز إلى غيرهم، وهنا نجدها تستهدف قيمة عليا لدى الإنسان، وهي الخصوصية.
الكتاب الذي نستعرض أفكاره هنا، هو «لا مكان للاختباء»، للصحافي الأميركي الاستقصائي جلين جرينولد. يؤكد جرينولد أن الاعتراض على اختراق الخصوصية كان هو الدافع وراء تأسيس الولايات المتحدة نفسها. وذلك عندما احتج المستوطنون الأميركيون على قوانين تسمح للمسؤولين البريطانيين بتفتيش أي منزل يرغبون تفتيشه متى شاءوا. على الدوام، كان التجسس الروتيني على الجماهير مغريا لكل سلطة، حتى في البلدان الديمقراطية. كشف تحقيق أُجري في منتصف السبعينيات، أن «الأف بي آي» صنفت نصف مليون أميركي بأنهم «انقلابيون» محتملون.
الفكرة الرئيسية هنا هي أن المراقبة والتنصت تتيح سلطة كبيرة لمن يمتلكها، لذا لا بد من رقابة صارمة كي لا يُساء استخدامها مثلما ثبت تاريخيا في كل الحالات. أثبت الكتاب، وبناء على سرده لتفاصيل الكشف عن وثائق سنودن، أن الموجودين في السلطة في الولايات المتحدة، استخدموا البرامج التجسسية الضخمة، على شركات ودول منافسة اقتصاديا وسياسيا، ووضعوا في خانة «مهددي الأمن القومي»، صفا طويلا من الفئات التي لم ترتكب جرماً قانونياً، كناشطي البيئة وحقوق الإنسان، ومعارضي الحرب، وأصحاب برامج تتبنى القضية الفلسطينية وغيرهم. إنها المعضلة الكبرى للعصر الرقمي، كما تساءل المؤلف، هل سيدفع عصر الإنترنت الرقمي في النهاية إلى حماية الفرد وتعزيز الحريات الأساسية؟ أم سيقود إلى نظام مراقبة وسيطرة شامل يفوق كل ما شهدناه في التاريخ؟
بطريقة شيقة، يسرد الكتاب، الذي صدرت ترجمته العربية في العام الماضي، المغامرة الشيقة التي جمعت بين جلين جرينولد وإدوار سنودن، الذي سرب وثائق كشفت تفاصيل البرامج التجسسية الضخمة لوكالة الأمن القومي الأميركية NSA على مواطنيها وعلى دول العالم شعوبا وسياسيين ومؤسسات. كانت مغامرة لأن المؤلف سافر من مقر إقامته في البرازيل إلى هونج كونج ليقابل في الجانب الآخر من العالم شخصا لا يعرف عنه أي شيء، ولا حتى اسمه، لكنه وجد عبر بعض مستنداته أنه يملك شيئا هاما ليقوله.
بعد سرد المغامرة في فصلين، تحدث جرينولد في الثالث عن التنوع والحجم الضخم لهذه البرامج، والعمليات التي تمت لاختراق شركات الإنترنت، ومستوى الطموح الشديد لوكالة الأمن القومي الأميركية، التي تعتبر أكبر وكالة استخباراتية في العالم، وهي فرع عسكري للبنتاجون. منذ العام 2005، تضخمت قدرتها وأهدافها في جمع المعلومات بشكل غير مسبوق تاريخياً. كان شعار رئيسها ألكسندر كيث «اجمعوا كل شيء». أمرهم بداية أن يجمعوا كل شيء عن الشعب العراقي، ثم نقلوا ذلك ووسعوه حتى إلى مواطني الولايات المتحدة. تكشف الوثائق أيضاً، أن وكالة الأمن القومي عندها مذكرة تفاهم تسلم بموجبها للإسرائيليين كافة المعلومات التي تصلها، وبلا أي حذف أو اختصار، حتى لو كانت اتصالات لمواطنين أميركيين.
أثار الكشف عن تجسس الوكالة على الجميع، نقاشا واسعا في أميركا والعالم، حول خطر المراقبة على النظام الديمقراطي الحر. ذكر قاض فيدرالي أن وزارة العدل لم تذكر حالة واحدة منع فيها تحليل البيانات التفصيلية التي جمعتها وكالة الأمن القومي هجوما إرهابيا وشيكا. إن الأرشيف الضخم لتجسس الوكالة الذي كشفه سنودن، يكشف باختصار أن الحكومة الأميركية لديها هدف واحد وهو الإزالة الكاملة للخصوصية الإلكترونية في العالم بأكمله. عوّل البعض على تحسن جيد في إدارة أوباما، الذي وعد في الانتخابات بأن الشعب الأميركي سيحصل على «الإدارة الأكثر شفافية في التاريخ». لكن ما ثبت كان العكس تماما. فإدارة أوباما سجنت من المسربين الحكوميين أكثر ممن تم سجنه في تاريخ الإدارات الحكومية السابقة مجتمعة! وفي عهده وصلت برامج التجسس لمستوى غير مسبوق.
في الفصل الرابع تحدث الكاتب عن «ضرر المراقبة»، حيث يؤكد أن أي دولة قمعية تنظر إلى المراقبة الجماعية على أنها إحدى أهم أدوات سيطرتها، ويستشهد بكلام فوكو في كتابه «الانضباط والعقاب»، حيث قال «إن المراقبة الشاملة لا تقوّي السلطات وتفرض الإذعان فحسب، بل تقنع الأفراد بتبني آراء مراقبيهم أيضاً، فأولئك الذين يعتقدون أنهم مراقبون سيختارون بشكل فطري فعل ما يراد منهم فعله». إن من يشعر أنه مراقب سيصبح أكثر تحفظاً. وفي أميركا، في تقرير أصدرته منظمة Pen America في العام 2013، بعنوان «نتائج مخيفة: المراقبة الأميركية تدفع كتابا أميركيين لاتباع الرقابة الذاتية»، حيث أجرت المنظمة استطلاعا، أوضح أنه بعد الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي، الكثير من الكتاب يفترضون أن حرياتهم مراقبة مما أثر على حرية التعبير، وقيّد التبادل الحر للمعلومات. وفي الفصل الأخير، عمد الكاتب للتركيز على نقد دور الصحافة، وعدم استقلاليتها، وطبيعة تعاملها السائد حاليا مع السلطة والمسؤولين، مما ينافى دورها الرئيسي الذي وجدت لأجله.