المتتبع لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي الجزئية والانتقائية لانتخاب 20 عضوا من أصل 40 عضوا هم أعضاء المجلس يجد أن هناك "تصنيعا إعلاميا" لعملية وأجواء ومشاهد انتخابية وكأنها متطابقة تماما مع الأصول الديمقراطية المتعارف عليها عالميا. فما هي هذه المظاهر وكيف تتناقض مع الحقائق على الأرض.
الانتخابات المبكرة
رغم أن عدد جميع الهيئة الانتخابية التي يحق لها المشاركة في انتخابات المجلس الوطني 2015 لا يصل إلى 225 ألف ناخب، وهو عدد قليل جدا، إلا أن لجنة الانتخابات الوطنية قامت بتجزئة عملية الانتخابات إلى جدول زمني وإجراءت ميدانية ومراحل عديدة ليعيش الإماراتيون أجواء انتخابية ولكن بأقل عدد من الإماراتيين المؤهلين بممارسة حقهم في اختيار ممثليهم وبأكثر ما يمكن من قيود، فالغاية هي الأجواء الانتخابية لدوافع سيكولوجية بغض النظر عن جوهر الانتخابات، كما يقول ناشطون.
فقد افتتح وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، أنور قرقاش، عملية التصويت المبكر لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، في المركز الانتخابي لأبوظبي، وتابع استعدادات مسؤولي المركز لبدء الاقتراع، والتأكد من تصفير أجهزة التصويت الإلكتروني، وبداية عملية الاقتراع.
مفارقات الرقابة والشفافية
وأفاد عضو اللجنة الوطنية للانتخابات، أحمد شبيب الظاهري، بأن مسؤولي المركز الانتخابي تولوا مراجعة وتصفير أجهزة التصويت الإلكتروني. وقال الظاهري إن التصويت الإلكتروني وفّر أيضاً نوعاً من الرقابة الداخلية والتدقيق الآلي على العملية الانتخابية برمتها، ما يجعل المرشح والناخب أكثر طمأنينة لسير الانتخابات منذ بداية التصويت وحتى إعلان النتيجة".
ولكن اللجنة وضعت قيود على توكيل المرشحين لمندوبين عنهم لمتابعة الانتخابات معتبرة أن ثقتها بنفسها تكفي لنيل ثقة الناخبين والمرشحين بها وهو افتراض ينطوي على تجاهل التخوفات المشروعة لدى الناخب والمرشح على حد سواء.
وتابع الظاهري، أن "هناك جهات حقوقية محلية وجمعيات وطنية مختصة بالنفع العام تتابع سير العملية الانتخابية، ما يعكس شفافية ووضوح ونزاهة الانتخابات".
ولكن الظاهري لم يسم أسم جمعية واحدة لا حقوقية ولا جمعية نفع عام من الذين قال إنهم تابعوا سير الانتخابات، دون أن يوضح ما هي المراحل التي تم متابعتها وما هو شكل المتابعة.
تصنيع مخالفة .. والرد جاهز
رغم أن وسائل الإعلام تولت الترويج لانطلاق الانتخابات المبكرة بصورة كبيرة للغاية منذ انطلاقها الاثنين (28|9) إلا أن لجنة الانتخابات الوطنية منعت دخول الصحفيين والصحافة المحلية تماما لمتابعة سير الانتخابات في حين تدعي أنها سمحت لجمعيات النفع العام بذلك.
هذه المخالفة والتي يرى فيها ناشطون أنها مفتعلة لإكمال "مشهد انتخابي" أصدرت بشأنها لجنة الانتخابات بيانا وضحت فيه المسألة.
فقد قالت اللجنة، ورد إليها شكاوى تقدم بها عدد من وسائل الإعلام حول عدم تمكنها من دخول المراكز الانتخابية في أول أيام التصويت المبكر، وتود اللجنة أن تشير إلى أن التصاريح الإعلامية كان الغرض منها السماح لوسائل الإعلام بدخول المراكز الانتخابية يوم الانتخاب الرئيسي المقرر في (3|10). وإزاء هذه "المخالفة" أبدى ناشطون استغرابهم من عدم السماح لوسائل الإعلام من دخول المراكز الانتخابية في حين سمح لجمعيات النفع العام، وحين أريد أن يكون صدى الانتخابات المبكرة كبيرا. وهذا ما دفع ناشطين إلى القول، بأنه لا يوجد مخالفة في الأساس كون التصاريح الإعلامية الصادرة تكون عادة مؤرخة بيوم الانتخابات الرئيسية ولكن أريد هذا الإخراج الانتخابي لإشاعة أجواء انتخابية وأن هناك مخالفات وردودها جاهزة. في حين رأى ناشطون آخرون أن عدم السماح لدخول الصحفيين لمراكز الانتخاب يعبر عن مخالفة حقيقية ولكن لجنة الانتخابات قللت من أهمية هذه المخالفة.
غاب الشباب وحضر "الشياب"
قالت وسائل إعلام محلية – والتي لم تحضر الانتخابات باعتراف لجنة الانتخابات- إن الآلاف شاركوا في يوم الاقتراع الأول، ووصفوا المشاركة باللافتة والكثيفة والجيدة، دون تقديم نسبة للذين شاركوا فيها. وسائل الإعلام سلطت الأضواء على حضور كبار السن الذين وصل بعضهم ل90 و86 عاما في مشاهد متكررة في سائر إمارات الدولة.
ناشطون لاحظوا غياب الشباب عن الانتخابات المبكرة متسائلين إن كان الشباب سيظهرون في يوم الانتخابات الرئيسي أم أن أعضاء الهيئة الانتخابية يغلب عليها كبار السن كما في السنوات السابقة.
مفارقات توضح مأساة وطن
من المشاهد المتناقضة التي سعت وسائل الإعلام المحلية إبرازها إصرار الناخب، صالح مسلم الراشدي، على أداء حقه الانتخابي، رغم الإعاقة التي تعانيها قدماه، حيث حرص على التوجه إلى المركز الانتخابي، متكئاً على عصاه. وإزاء استجابة الراشدي في استخدام حقه رغم التحديات الحركية التي يعاني منها، إلا أن الشاهد أن هناك عشرات آلاف من الإماراتيين الذين لا عوائق ولا عراقيل ولا تحديات تمنعهم من الوصول لصناديق الانتخابات ويمكن أن يوفروا قصصا إعلامية مؤثرة في المشاركة الانتخابية لوسائل الإعلام إلى جانب مشهد الراشدي وكبار السن، ولكن لجنة الانتخابات الوطنية تمنعهم بقرار جائر من ممارسة حقهم الانتخابي.
ناشطون يرون إن مشهد حرمان عشرات آلاف المواطنين رجالا ونساء من المشاركة في الانتخابات يشكل مأساة وطنية وانتقاصا لحقوق وعقول وأهلية أكثر من نصف من يحق لهم الترشح والانتخاب، وأن تسليط الضوء على حرمان هذا العديد الكبير أهم للوطن وأنفع من عرض مشاهد لحالات فردية توظف في سبيل دعاية سياسية وتصنيع مناخات انتخابية إعلاميا، على حد ملاحظات ناشطين.