أحدث الأخبار
  • 12:10 . ماكرون: فرنسا والسعودية تقودان مساراً ملزماً للاعتراف بفلسطين... المزيد
  • 12:09 . الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري... المزيد
  • 11:34 . استطلاع: أغلبية الأمريكيين يؤيدون الاعتراف بفلسطين ودعم المدنيين في غزة... المزيد
  • 10:50 . رغم مخالفته الشريعة وهوية الدولة.. تسجيل 43 ألف عقد "زواج مدني" في أبوظبي منذ 2021... المزيد
  • 10:48 . انخفاض درجات الحرارة وفرصة أمطار غداً في بعض المناطق... المزيد
  • 09:58 . قرقاش: الإمارات ثابتة في دعم حقوق الفلسطينيين وأهالي غزة... المزيد
  • 09:58 . انتخابات تاريخية للمجلس الإسلامي في إثيوبيا بمشاركة أكثر من 13 مليون ناخب... المزيد
  • 02:03 . التربية: إلغاء امتحانات الفصل الثاني وتطبيق منهج الذكاء الاصطناعي... المزيد
  • 02:03 . الكرملين: بوتين أطلع ولي العهد السعودي على نتائج محادثاته مع ترامب... المزيد
  • 02:02 . مقتل 27 على الأقل في هجوم على مسجد أثناء صلاة الفجر شمالي نيجيريا... المزيد
  • 10:09 . لجنة برلمانية بريطانية: أبوظبي تمارس قمعًا عابرًا للحدود وانتهاكًا لسيادة المملكة المتحدة... المزيد
  • 10:08 . "إسرائيل" تصادق على خطط احتلال غزة وتستدعي عشرات الآلاف من جنود الاحتياط... المزيد
  • 10:07 . برعاية أمريكية.. الكشف عن مباحثات "سورية ـ إسرائيلية" في باريس لخفض التصعيد بجنوب سوريا... المزيد
  • 05:42 . ترامب يعلن عن ترتيبات للقاء بين بوتين وزيلينسكي... المزيد
  • 05:37 . بوركينا فاسو تعلن منسقة الأمم المتحدة شخصا غير مرغوب فيه... المزيد
  • 05:35 . عشرات الشهداء بينهم 5 أطفال في هجمات إسرائيلية على غزة منذ الفجر... المزيد

الرأي العام في الشأن العام

الكـاتب : عبدالعزيز الحيص
تاريخ الخبر: 28-09-2015


يا له من مشهد ساخر، حفل زفاف لا وجود للعريس فيه، أو محاكمة يغيب القاضي عنها. هذا هو تماما مشهد الشأن العام عندنا، حين يغيب عنه فارسه: الرأي العام. هذا المفهوم الأخير يعني جماع آراء الناس تجاه قضية معينة. أما الشأن العام، فهو المجال الذي يتشاركه الناس، وتكون قضاياه مشتركة بينهم. وليس هناك حل يناسب قضايا الشأن العام، التي يكثر الجدل حولها، مثل حاكمية الرأي العام. فليس للسياسي، ولا للجهات المتنفذة، أو الخارجية، أو النخب الإعلامية والدينية وغيرها، أن تأخذ دور الرأي العام، الذي يعكس رأي أغلبية المجتمع، ويستميل البقية للتوافق معه.
قضايا الشأن العام اليوم، هيمنت وأتعبت. بوجود الإنترنت، والأخبار السريعة والكثيفة، أصبحت الحوادث قريبة أمام أعيننا كل يوم. وهذا أمرٌ منهك جداً. الأخبار، بطريقة أو بأخرى، معنية بإظهار أمور لافتة، تكون سيئة على الأغلب. الإنسان الطبيعي يشعر بوخز الأفكار وتقلبها وتنوع طبائعها، ولديه القابلية للتأثر بها وعبرها. وانفجار الأفكار أمامه، على مدى طويل، سيضع كلفته العالية في النهاية، على صحة الإنسان وفكره. إن قضايا الشأن العام طبيعية، ولا يوجد بلد ومجتمع لا تزوره هذه المشاكل، لكن يزداد الإشكال إن كانت قضايا الشأن العام تتكرر في دوامة لا نهائية، لأنها لا تمتلك حسماً، وتقريراً للحلول والتوجهات. وهذا هو ما يمتلكه الرأي العام. فهو حين يتبلور حيال قضية معينة، يستميل كافة فئات الشعب لهذا المسار والحل، ويعمل على تجاوز اللغط والجدل والتجاذب اللامحسوم حول القضايا. نستطيع القول إنه أفضل صيغة توافقية ممكنة، عرفتها المجتمعات المدنية الحديثة، كي تحسم قضاياها وتظل سائرة إلى الأمام.
هذا الحل النسبي التوافقي، أي قياس الرأي العام والاحتكام إليه، تحرص عليه الدول المتقدمة. لا تكاد ترى بلدا متحضرا اليوم، إلا وقد طوّر آليات ووسائل فاعلة تساعده على قياس آراء الناس بسرعة وفاعلية. هذه الممارسة عريقة، فقد بدأ الاستفتاء والاستطلاع للرأي العام سنة 1936، على يد إلمو روبر، وأرشيبالد كروسلي، وجورج جالوب صاحب مركز جالوب الشهير، المعني بقياس استطلاعات الرأي العام. ومنذ منتصف القرن العشرين اشتهرت هذه الممارسة في العالم كله.
الرأي العام يستحق التعب المعرفي لأجل أن نتعرفه بطريقة منهجية وبلا تخرصات، أو ظنون مصالح ورغبات. وقياسه أيضاً عملية مستمرة ومنهجية، فهو قد يتغير من فترة إلى أخرى، وما كان مكروها لدى مجتمع، قد يصبح مقبولاً في زمن آخر. الكذابون والأفاكون من سرّاق المجتمعات ومستغليها، هم من يحاولون دوماً التغطية على المجتمعات بتنظيرهم ودعائيتهم المزيفة، ولذا فالعلم والمنهجية يمثلان أقوى سلاح لإسقاط هذه الأوهام. الرأي العام قد يساعد في حل معظم القضايا، لكن هذا لا يعني أنه بالضرورة سيكون سليماً وصحيحاً، ولا يعني عدم حاجتنا لحماية بعض القضايا المدنية والإنسانية من جنوحه.
من الغريب تجاهل أهمية الرأي العام وقياساته لدينا في العالم العربي. هنالك أسباب لهذا الغياب، منها هذه الثلاثة: أولاً، عدم الإيمان بشرعيته، والإحجام عن إعطائه مساحة من قبل الأنظمة. أو بالأحرى، غياب المؤسسات واستقلالها، يعني تغييبه وعدم الشعور بالحاجة له. كثير من الدول المتقدمة مدنياً، حين يوقع عدد معين من المواطنين على قضية، يكون هذا كفيل بإدخالها للبرلمان ومناقشتها. وهذا يؤكد الاحتياج المتبادل والتكامل بين الرأي العام والمؤسسات. في بلداننا، لا يغفل السياسي عن أهمية الرأي العام وتوجهاته، وهو قد يسايره ويستميله، لكنه دوماً يريد هذه المعرفة والتفاعل أن تأتي عن طريقه فقط، كي يحذف منها ويهمش ما يريد، فمأسسة وتثبيت قياس الرأي العام والاحتكام إليه قد تُمثل مغامرة، لا يقوى السياسي على تحمل كلفتها.
والأمر الثاني، هو أن الأجيال الحاضرة، من جديدة وقديمة في عالمنا العربي، لم تجرب حاكمية أصواتها وتأثيرها. وكيف للناس أن تقدر وتعرف أهمية الذي لم يوجد ولم يجرب! أيضاً، طبيعة الصراع والاستقطاب الاجتماعي، لا تضع في بنيتها مكاناً للحلول السلمية والمدنية التوافقية، مثل التصويت، ولذا تظل أزماتنا تشتد في العالم العربي عاماً بعد آخر.
بينما يتجسد الأمر الثالث، في عدم القدرة على التعامل مع انقسام الرأي العام على نفسه. الإنترنت أتاح فرصة للأصوات المتغايرة أن تبرز، وتقابل بعضها البعض. وانقسام الرأي، حول القضايا المهمة، ليس مشكلة بحد ذاته، لكنه يتحول إلى إشكال مستمر ومعضلة، حين تغيب القدرة على قياسه، ودراسة اتجاهاته. حينها يصبح الجدل بلا وجهة، بل فقط آراء تدور وتطحن نفسها بلا حد وانتهاء. عزز ذلك سهولة تدوير الشائعات، وشيوع تدوين الشفهي والمحكي بسهولة عبر الواتس آب وغيره من وسائط الهاتف اليوم، ومسارعة كل طرف لتوظيف قضايا الشأن العام لصالحه. أليست مفارقة في عالم الإنترنت اليوم، أن جموع وفئات المجتمع تطل برأسها بنشاط وقوة حضور، لكن بلا رأي عام رصين ومؤكد، نستطيع أن نستظهره بمنهجية ونحتكم إليه؟!