أحدث الأخبار
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية نتيجة سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد

جدلية السلطة والمعارضة في بلاد العرب

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 13-08-2015

لا توجد سلطة في أي مجتمع في العالم لا تتضايق من وجود معارضة لها، تنتقد نشاطاتها، وتعرض على المواطنين أفكارا وبرامج بديلة عن تلك التي تتبناها السلطة، بل أحيانا تسعى لإزاحتها والحلول مكانها.
وفي الواقع فإن السلطة لا تفرق في توجسها بين معارضة ومعارضة، إذ أنها تشعر في أعماقها بأن كل معارضة، مهما صغرت، تحمل إمكانية الاتساع والتقوي والنجاح في المستقبل، أي تحمل إمكانية اختزان أخطار لم يحسب لها أحد حسابا.
إذن، تلك ظاهرة اجتماعية وسياسية عرفتها البشرية عبر تاريخها وتعرفها في حاضرها، لكن هناك اختلاف جوهري بين المجتمعات يتمثل في منهجية وأسلوب تعامل السلطة مع معارضيها. ففي بلاد العرب لا تكتفي السلطة بأن تكون مثل الآخرين في القبول على مضض بوجود معارضة، إنها تريد شيئا آخر يجعلها شاذة عن المنطق والأعراف في التعامل مع هذا الموضوع المعقد.
إنها تريدها أولاَ معارضة مظهرية في جلباب هي، أي السلطة، تضع مقاساته إن لم تقم بخياطته. وينتهي الأمر بوجود معارضة مطأطأة الرأس، محنية الظهر، تدرك في كل كلمة تنطقها وفي كل فعل تقوم به بأن العين لا تعلو على الحاجب، وبأن صورة وهيبة السلطة خطان أحمران مقدسان لا يحق لأحد تجاوزهما.
إنها تريدها ثانيا معارضة شبه موالية للسلطة، لا تختلف عن موالي السلطة الحقيقيين إلا في ادعائها أمام الناس وفي تسميتها الرسمية بأنها معارضة. وتستطيع المعارضة أن تفاخر بأن ولاءها هو للوطن، ولا غير الوطن، طالما أنها تدرك في قرارة نفسها أن السلطة هي الوطن والوطن هو السلطة.
مطلوب من المعارضة أن تتصرف كعضو في أسرة تحكمها العلاقات البطركية، حيث من الممكن للابن أن يكون مشاغباَ، ولكنه لا يجرؤ أن يمس مكانة وهيمنة وتبجيل رب الأسرة. كما في العائلة العربية يجب أن تكون ساحة السياسة العربية. من هنا إصرار بعض رؤساء الدول بين الحين والآخر على إسباغ لقب رب الأسرة على أنفسهم ومخاطبة مواطنيهم كمخاطبتهم لأبنائهم القصر المحتاجين للرعاية والعطف، وأحيانا التربية.
ولقد ساهم فقهاء السلاطين عبر القرون الطويلة في ترسيخ صورة وضرورة هذه العلاقة الأبوية، غير الندية وغير المتوازنة، بين السلطة والمجتمعات التي تديرها. فولي الأمر يجب أن يطاع لتجنب الفتن والمنازعات داخل أسر المجتمعات، وحتى إذا مارس الولاية من خلال ارتكاب الأخطاء المضرة للغير، فيجب أن ينصح برفق واحترام شديدين، يليقان بمكانته وسلطته وصورته المجتمعية، وكونه راعيا لرعيته.
ما الذي يبقى من فكر وممارسة السياسة في مجتمعات كهذه، وتحت ثقافة كهذه، وبشروط علاقات كهذه؟ يبقى شبح اللعبة السياسية القائمة على علاقات زبونية نفعية ذليلة تهمش قوى المجتمعات المدنية جميعها، وعلى الأخص قواها السياسية والنقابية والإعلامية.
ترى، أين تكمن أسباب وجود تلك الظواهر المريضة في علاقة السلطة بالمعارضة في الحياة السياسية العربية؟ إنها في الأساس تكمن في تعامل الأدب السياسي العربي، عبر قرون طويلة، مع مفهوم سلطة الدولة. فسلطة الدولة العربية، أيا تكون تسمية تلك الدولة، خلافة أو جمهورية أو إمارة أو مملكة أو سلطنة أو غيرها، تعتبر سلطة مستقلة بذاتها، متعالية ومنفصلة عن مجتمعاتها، محتكرة لكل الوسائل الضابطة لنشاطات ساكني تلك المجتمعات، وبالتالي فانها غير قابلة للمساءلة الجدية، وإنما تقدم لها النصيحة ويتمُ التعامل معها بالصبر والرجاء.
إن ذلك الفهم لطبيعة سلطة الدولة، وهو الفهم الذي ميز مسيرة الدولة العربية والإسلامية عبر تاريخ طويل، الذي أعطاها الحق بالتعامل مع أي معارضة بقوة البطش، ذلك الفهم لايزال موجودا في الحياة العربية السياسية، وإن بنسب متفاوتة وأشكال مختلفة.
ذلك الفهم يتعارض بصورة كاملة مع وجود معارضة مستقلة واقفة على قدميها ونديُة، لأنه لا يسمح بالمشاركة المجتمعية الفاعلة المؤثرة في برامج وقرارات وممارسات سلطة الدولة العربية. والنتيجة هو إما سحق المعارضة أو تدجينها أو اختراقها أو تشويه صورتها ومقاصدها. والضحية في النهاية هو السلم الأهلي والمجتمعي، والضحية أيضا، وهذا أمر خطير للغاية، هي إمكانية حدوث النضج والسمو والكفاءة والإبداع في منظومة الحياة السياسية العربية. وهذا كله سيعيق الإنتقال إلى نظام ديمقراطي معقول وعادل.