قال الرئيس التونسي السابق، محمد منصف المرزوقي، إن العالم العربي يشهد مرحلة لم يشهد لها تاريخ الأمة مثيلاً في خطورتها وتردداتها، واصفاً ما تعيشه المنطقة بـ"أم الأزمات"، ورأى أن النظام المصري يذهب ببلاده نحو الفاشية متجاوزاً الاستبداد.
جاء ذلك في محاضرة له، الاثنين (3|8)، بالعاصمة المغربية الرباط، نظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان "منظمة غير حكومية".
وأوضح المرزوقي أن "العالم العربي شهد انهيار مجموعة من الدول والأنظمة، وأن الأنظمة التي نعتقد أنها لن تنهار يمكن أن تنهار سريعاً، ما لم تقم بإصلاحات عميقة وتسير فيها إلى أبعد مدى".
وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أكد هذه الحقائق في خطاب له عام 2004 عندما طالب الحكومات العربية بالتغيير، لأنها إن لم تقم بالتغيير فسوف تتعرض للتغيير الجماهيري، وطالبها بإجراء إصلاحات عميقة وتوفير حياة كريمة لمواطنيها. وبعد نحو 6 سنوات من تحذيره انطلقت شرارة الربيع العربي والتي أسقطت أنظمة بوليسية لم يكن يتوقع أحد سقوطها، وفق ما يرى مراقبون.
وشدد الرئيس التونسي السابق على أن العودة إلى الطائفية والعشائر "جزء من الردة"، وأنه لا يجب السكوت عن دور إيران في دعم الاستبداد في سوريا وما يقع في العراق واليمن، وأنه "يجب ألّا نقبل هذه السياسات من إيران، ويجب أن تكون علاقاتنا معها ومصالحنا متبادلة، وليست مبنية على الغطرسة من أي طرف"، على حد تعبيره.
واعتبر المرزوقي أن العالم العربي يعيش أزمة أخلاقية ووصفها بـ"أم الأزمات"، وقال: "لقد فشلنا لأننا لم نفهم أن معركتنا هي معركة قيم، وأن التقدم الاقتصادي والسياسي يبنى على مجموعة من القيم"، مشدداً على أنه "لا توجد ثورة ولن توجد ثورة إن لم تكن هناك ثورة أخلاقية".
ويرى مراقبون أن المرزوقي يرد بذلك على الحكومات والأنظمة التي تدعي أن التقدم الاقتصادي يحقق كرامة الناس ويحفظ حقوقهم ويضمن حرياتهم، كون كثير من الحكومات العربية ترفض الإصلاح لأنها تعتبر نفسها دول نفطية وغنية، حتى ولو لم ينعكس ذلك على حياة شعوبها.
ووصف المرزوقي ما يعيشه العالم العربي بـ"مرحلة انتقالية ومنعطف تاريخي تفاقمت فيه قوى التدمير وكانت أصعب ممّا نتصور"، لافتاً إلى أن العالم العربي يشهد أكبر عملية تدمير في تاريخه الحديث، وأن هناك أشياء فعلاً يجب أن تدمر، ولا حسرة عليها، كحدود سايكس بيكو والأنظمة الاستبدادية والجامعة العربية".
محللون يشيرون أن توصيف المرزوقي حول سايكس بيكو والجامعة العربية يعبر عن شرائح واسعة في الشارع العربي وخاصة جيل الشباب الذي يرى أن الجامعة العربية خذلته في أهم قضاياه القومية وأنها تحولت لعبء وعامل تفرق، على حد تعبيرهم.
وأضاف الرئيس التونسي السابق: أن "هناك براكين كثيرة ستنفجر، لحسن الحظ أو لسوئه، في كل البلدان ما لم تذهب إلى أبعد مدى في الإصلاحات". استنتاج المرزوقي قد يجد له أرضا صلبة من الواقع والحقائق التاريخية حسب تعبير المراقبين على تصريحاته القوية. ويرى المراقبون أن حالة الصدام بين الثورات العربية والثورات المضادة قد بلغت أوجها وأن الثورات المضادة يدها العليا في هذه المرحلة، ولكنهم متفائلون بأن ميزان التغيير والوقت يصب في مصلحة الشعوب.
وتابع المرزوقي "إذا كنا نرى في العالم العربي أن الجزء التدميري أكبر، فقد علمتنا الحياة أن هناك قوة خلق وإبداع لا تندثر وهذه القوة تمنع التشاؤم"، مضيفاً: أن "هناك قوة خلق جبارة تحت هذا الركام، وهناك قوة موجودة ستدفع ولن تتخلى أبداً عن مطلب العدالة الاجتماعية والمطلب الغريزي للعدل، وهذه القوة كامنة في الشباب والتعطش للعدالة الاجتماعية، ويجب أن تكون لنا ثقة مطلقة في قوى الخلق والإبداع ولا نكون أوصياء عليها".
وأضاف المرزوقي: أن "كل الأحلام التي حملها الربيع العربي ذهبت أدراج الرياح"، وأن الربيع العربي "تحول إلى كابوس في سوريا واليمن، وثورة مضادة شرسة ستدفع في مصر إلى نوع من الحرب الأهلية".
وذهب المرزوقي إلى أن "النظام المصري الحالي يذهب بقوة نحو الفاشية وقد تجاوز الاستبداد، وهو الآن يرجع إلى ما قبل الاستبداد"، مضيفاً: "أرثي لهذا المسكين المسمى السيسي عندما يعتقد أنه بإمكانه أن يعيد الشعب المصري إلى بيت الطاعة"، على حد قوله.