أحدث الأخبار
  • 12:10 . ماكرون: فرنسا والسعودية تقودان مساراً ملزماً للاعتراف بفلسطين... المزيد
  • 12:09 . الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري... المزيد
  • 11:34 . استطلاع: أغلبية الأمريكيين يؤيدون الاعتراف بفلسطين ودعم المدنيين في غزة... المزيد
  • 10:50 . رغم مخالفته الشريعة وهوية الدولة.. تسجيل 43 ألف عقد "زواج مدني" في أبوظبي منذ 2021... المزيد
  • 10:48 . انخفاض درجات الحرارة وفرصة أمطار غداً في بعض المناطق... المزيد
  • 09:58 . قرقاش: الإمارات ثابتة في دعم حقوق الفلسطينيين وأهالي غزة... المزيد
  • 09:58 . انتخابات تاريخية للمجلس الإسلامي في إثيوبيا بمشاركة أكثر من 13 مليون ناخب... المزيد
  • 02:03 . التربية: إلغاء امتحانات الفصل الثاني وتطبيق منهج الذكاء الاصطناعي... المزيد
  • 02:03 . الكرملين: بوتين أطلع ولي العهد السعودي على نتائج محادثاته مع ترامب... المزيد
  • 02:02 . مقتل 27 على الأقل في هجوم على مسجد أثناء صلاة الفجر شمالي نيجيريا... المزيد
  • 10:09 . لجنة برلمانية بريطانية: أبوظبي تمارس قمعًا عابرًا للحدود وانتهاكًا لسيادة المملكة المتحدة... المزيد
  • 10:08 . "إسرائيل" تصادق على خطط احتلال غزة وتستدعي عشرات الآلاف من جنود الاحتياط... المزيد
  • 10:07 . برعاية أمريكية.. الكشف عن مباحثات "سورية ـ إسرائيلية" في باريس لخفض التصعيد بجنوب سوريا... المزيد
  • 05:42 . ترامب يعلن عن ترتيبات للقاء بين بوتين وزيلينسكي... المزيد
  • 05:37 . بوركينا فاسو تعلن منسقة الأمم المتحدة شخصا غير مرغوب فيه... المزيد
  • 05:35 . عشرات الشهداء بينهم 5 أطفال في هجمات إسرائيلية على غزة منذ الفجر... المزيد

التمييز بين لعبة السياسة والقيم الإنسانية

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 29-07-2015


ما يجب أن يدركه قادة الحكم في بلاد العرب، وأن يدركه على الأخص من يقدمون النصح والمشورة لأولئك القادة، أن الشعوب تستطيع ممارسة الصبر والانتظار بالنسبة لبعض المظالم والمطالب السياسية.
فهي تستطيع أن تتحمل، مع كثير من التململ، التباطؤ في الانتقال إلى نظام ديمقراطي عادل وحقيقي غير مزيف، إذ تدرك أن الوصول إلى كذا ديمقراطية يحتاج إلى نضال قاس مرير، وأن الطريق إلى تلك الديمقراطية طويل ومتعرج لكل المجتمعات البشرية.
وهي، أي الشعوب، تستطيع أن تتحمل الفروق الجائرة في الثروة والجاه والسلطة بين أقلية تهيمن وأكثرية تعاني وتكافح، إذ تدرك الشعوب وتأمل بأن الزمن، طال أو قصُر، بعد مئة عام أو ألف عام، سينهي أي فروق غير عادلة، فوعي الإنسان وقدراته في نمو دائم ونضج متراكم، وستفرض القيم الإنسانية إرادتها على القيم الأنانية الظالمة التي حكمت ولاتزال تحكم طول العالم وعرضه.
الشعوب تستطيع الصبر والانتظار على تأجيل أحلامها الكبرى، لأنها تعلم أن ممارسات الاستبداد والظلم وآلام وفواجع القوانين الجائرة والفساد والنهب، موزعة في ما بين الخلق كلهم، وأن مواجهتها هي من مسؤولية الجميع لأنها تمس الجميع.
لكن تلك المظالم التي تطال الجميع تختلف جذريا عن التمييز الموجه إلى فرد أو مجموعة أفراد. نحن هنا أمام ظلم يفعل فعله الموجع والمدمر في الواقع الحاضر، وفي الحال. فالإنسان الذي يحرم من خدمات صحية أو تعليمية من حقه كمواطن، والإنسان الذي يحرم من الحصول على مكافأة يستحقها، والإنسان الذي يميز ضده في الحصول على وظيفة أو سكن ويقدم غيره عليه… هذا الإنسان لا يواجه مشكلة تستطيع الانتظار أو التأجيل لحين حلها، إنه يواجه فرصة ضاعت وحقا سلب وحاضرا دمر.
فلنتصور شابا، من عائلة محدودة الدخل، عاش طيلة سنين طفولته ودراسته في المدرسة وهو يحلم بأن يحصل على بعثة دراسية ليصبح مهندسا أو طبيبا أو عالما أو محاميا. لقد اجتهد وأبدع في دراسته، وحلم مع أفراد أسرته بالخروج من ضنك العيش ومغالبة متاعب الحياة، حتى أذا جاء يوم الحصاد والمكافأة واجه واقع التمييز ضد حقه في المكافأة، بسبب كونه فردا من هذه القبيلة أو الطائفة أو الدين أو الأصول العرقية، أو كونه فردا من هذه المدينة أو تلك القرية.
لا حاجة للقول بأننا في تلك اللحظة أمام مأساة فردية تدمر الحاضر وتشوه المستقبل وتغلق أبواب الأمل وتقتل الأحلام التي ترعرعت عبر السنين، أحلام ذلك الإنسان وأحلام محبيه ممن ارتبطت حياتهم بحياته.
لا يمكن الحديث هنا عن الزمن الذي سيحلُ هذه المشكلة، إن الزمن سيحل مشاكل آخرين سيأتون بعده، لكنه لن يحل مشكلة هذا الفرد إياه في هذه اللحظة إياها.
هذا الوضع الظالم التمييزي العبثي ينطبق أيضا على الشابة التي حلمت بالحصول على وظيفة معقولة محترمة بعد تخرجها من الجامعة، لتكتشف أن التمييز اعطى وظيفتها التي تستحقها لغيرها بسبب الانتماء لجماعة أو دين أو مذهب أو جهة.
وهو الوضع نفسه بالنسبة لشاب يريد الزواج والعائلة التي حلم طيلة حياته ببنائها، ولكنه لا يستطيع بسبب عدم حصوله على مسكن أعطي لغيره، بدون وجه حق وبسبب مفاضلة تمييزية جائرة. 
في جميع تلك الحالات نحن أمام ممارسات ظالمة شريرة تئد الأحلام وتدمر الحاضر وتسد آفاق المستقبل. هل من حقنا أن نلوم عند ذاك هذا الشاب أو تلك الشابة إن هما توجها إلى أقصى درجات الغضب واليأس من العدالة والشك في كل القيم، والالتحاق بجماعات التطرُف والعنف العبثي؟
التمييز إذن لا يمكن الحديث عنه في صيغة المستقبل وفي الوعود بالحلول الآتية من الشفق البعيد. التمييز ليس موضوعا سياسيا يقبل التفاوض والأخذ والعطاء والحلول الوسط. ولا يمكن الحديث عن الصبر على نصف أو ربع تمييز بانتظار ما سيأتي به الغد، وهو ليس نصف موت، إنه موت وجودي كامل، إذ عندما يدمر الحاضر وتسد أبواب المستقل وينحر الطموح وتذوي الأحلام، فإن الحديث عن أي نوع من الوجود هو وهم وعبث بائس.
ستحسن سلطات الحكم ومستشاروها صنعا إذا أدركوا حساسية وعمق الفرق الفلسفي والقيمي بين ممارسة السياسة وممارسة التمييز، فالأخير موضوع إنساني وجودي يعطي البعض على حساب وحقوق البعض، يدمر حاضر البعض من أجل فتح أبواب المستقبل للبعض الآخر. هذه ليست لعبة سياسية وليس لها مكان في قاموس السياسة، إنها لعبة شيطانية تهزأ بالقيم والأخلاق وعدالة السماء وضرورة تحكيم الضمير.