تخلت دولة الإمارات عن استضافة القمة العربية في أعقاب قمة الكويت العام الماضي لصالح مصر كوسيلة لمنح عبد الفتاح السيسي فرصة يضطر فيها القادة العرب أن يعقدوا قمتهم في القاهرة لإضفاء الشرعية عليه. وما بين قمة الكويت وقمة شرم الشيخ جرت في النهر مياه كثيرة، فانخفض تمثيل الدولة فيها بصورة ملحوظة، ورصد المتابعون والمراقبون قواسم الخلاف بين الرياض والقاهرة ولا سيما في مقترح القوة العربية المشتركة، تبعه مقالات مصرية وسعودية وانتقادات متبادلة في أعقاب هذه القمة، ما يؤشر على أن عناوين الإعلام العريضة لصحافتنا الإماراتية كانت متفائلة بصورة مفرطة. فهل حققت القمة الوفاق العربي أم كرست الشقاق؟
القوة العربية المشتركة سبب خلاف
رغم إعلان القمة عن تبني "قرار" إنشاء القوة العربية المشتركة، إلا أن كواليس هذا القرار وسياق تطبيقه يلقي ظلالا كثيرة من الشك على تدشينه بالفعل. وفي تفسير انخفاض التمثيل الإماراتي في القمة، كان سبب عدم رضا الإمارات عن تعامل القمة مع مقترح القوة المشتركة هو العامل الرئيس في غياب محمد بن راشد أو محمد بن زايد عنها، وفقا لتساؤلات الصحفي المقرب من الانقلاب مصطفي بكري في تغريدات له على "توتير"، "عمن أغضب الإمارات" لتكون بهذا التمثيل الذي اعتبره "متدنيا". ولاحظ مراقبون آخرون، أن الإمارات لم يكن لها "كلمة" أيضا في القمة على خلاف العادة، فيما سجل مراقبون آخرون عزوف الملك الأردني عبد الثاني الثاني عن إلقاء كلمة في القمة، ومغادرته فعالياتها مبكرا، لعدم رضاه عن التعاطي مع مقترح القوة المشتركة.
الصحافة الإماراتية.. قمة الوفاق
أفاضت صحفنا المحلية الرسمية في الحديث عن قمة شرم الشيخ ونتائجها، معتبرة أنها قمة "ميلاد نظام عربي جديد"، واعتبرها كتاب إماراتيون آخرون بأنها قمة الوفاق العربي. فقد تحمست صحيفة البيان في افتتاحية (31|3) في التعبير عن تفاؤلها في نتائج القمة، وتحت عنوان "قمة صون الأمن القومي" قالت، "كانت قمة شرم الشيخ العربية قمة الحزم والحسم، وقمة الاتفاق والتوافق، وقمة ضمان الأمن القومي العربي بامتياز". وتابعت، "قمة شرم الشيخ كانت بحق مميزة واستثنائية، ويكمن اعتبار أنّ قمة 2015 قمة تصحيحية لقمة أغسطس 1990 التي شهدت تصدّع الأمن القومي العربي"، على حد تقديرها.
الكاتبة الكويتية فجر السعيد شاطرت الإعلام الإماراتي أكثر من تفائله بالقمة، لتشير إلى احتمالية أن مصر وأبوظبي قد يلجآن بعمل عسكري في ليبيا بصورة منفردة لتضطر السعودية على اللحاق بهما كما فعلت السعودية بهما، وفقا لما يُفهم تصريحاتها لقناة "صدى البلد" المصرية. وقالت السعيد، أتوقع وجود حزم قادم ضد ليبيا بعد طلب ليبيا التدخل العسكري بها". وتابعت: "نفس المشكلة التي تواجهها السعودية مع اليمن تواجهها مصر مع ليبيا وعاصفة الحزم ستتجه إلى ليبيا"، على حد زعمها.
الإعلام المصري.. انقلاب على السعودية
رصد الصحفي المصري حسين عبد الغني المؤيد لنظام السيسي، أوجه الخلاف بين القاهرة والرياض استنادا إلى كلمة كل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وكلمة السيسي. وقال عبد الغني، "عند متابعة أولية لكلمتي السيسي وسلمان في القمة العربية .. أستطيع القول إنها عكست اختلافات سعودية - مصرية أكثر بكثير مما عكست اتفاقات، ومنها: تحمس السيسي لإنشاء قوة عربية مشتركة، في حين تجاهلها سلمان تجاهلا تاما"، ليخلص عبد الغني أن السعودية فاجأت مصر بعاصفة الحزم دون انتظار غطاء عربي من القمة لهذه العملية حتى لا يضع مصر في موقع القيادة أو على الأقل أن موضع الشريك في القيادة لتكون مصر مجرد رقم فيها.
الكاتب الصحفي جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، قال في مقال له، بعنوان "بيان القمة الختامي كل يغني على ليلاه"، "كل يغني على ليلاه، هذا ملخص وقائع قمة شرم الشيخ، فكل بلد جاء وفي رأس قادته أولوية خاصة في ملف بعينه، وبدا البعض وهو في لهفة لإقرار مشروعه الخاص بأي شكل، حتى ولو كان بترضية شكلية ترضي كرامته لا أكثر، وهذا ما حدث بصورة واضحة في المقترح المصري بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، وهو المطلب الذي تجاهله الكثيرون من القادة العرب، بمن فيهم القادة الخليجيون، ومع ذلك أصرت مصر على وضعه في البيان الختامي، وقد وضع البيان صيغته بصورة تجعله أقرب للفرضية النظرية أو التوصية بدراسة الموضوع على مهل".
سلطان خصص مقالا آخر أيضا في (31|3) بعنوان "الإعلام المصري يكشف عن أزمة مكتومة مع السعودية"، وكان يعلق على انتقادات إعلامية مصرية سعودية متبادلة بين الصحفي إبراهيم عيسى المقرب من نظام السيسي وردود الإعلامي السعودي جمال خاشقجي عليه. وقال سلطان، يأتي انقلاب الإعلام المصري على السعودية مؤشرا حقيقيا ومقلقا على أزمة ثقة، هناك أكثر من إعلامي مصري تحدث بانتقاد وسخرية شديدة من السعودية وموقفها السياسي في اليمن وسوريا، بل تحولت السخرية إلى هجوم ونقد شديد وعنيف ضد السعودية ودفاع عن الحوثيين أنفسهم وتوعد بانكسار عاصفة الحزم وهزيمة المملكة هناك ".
وكان عيسى قال، إن السعودية بدأت "عاصفة الحزم" لفرض موقف معين على العرب لتسيطر بذلك على المشهد العربي" واتهمها بدعم الإرهاب. فيما رد خاشقجي، "لو كان الإعلام المصري حرًا لما قلت ذلك، ولكنه إعلام النظام"، مطالبًا بلاده بالتدخل لوقف الحملات الإعلامية المصرية ضد المملكة.
الإعلام السعودي.. رؤية مختلفة
عبد الرحمن الراشد كتب مقالا بالشرق الأوسط (31|3) بعنوان "مشروع القوة العربية ضد من؟" فند فيه جميع المبررات التي تساق للتدخل في العراق وليبيا وحتى سوريا. و قال، "هناك الكثير من الصعوبات أمام تأسيس قوة عسكرية ترفع علم الجامعة العربية، من حيث آلية القرار، وحدوده، حتى لا تتحول القوة العربية إلى جماعة مسلحة تستخدم في تصفية الحسابات السياسية، أو خدمة أنظمة ضد شعوبها". معتبرا أن "التدخل العربي في اليمن له شرعية وأغلبية تؤيد التدخل العسكري، من الحكومات العربية. وأضاف، "التدخل في اليمن حالة نادرة، بأن تحصل على شبه إجماع لعملية عسكرية كبيرة لحماية الشرعية التي اعترفت بها الجامعة العربية والأمم المتحدة معا"، حسب الراشد.
مؤشرات الشقاق العربي
ختم الراشد مقاله السابق قائلا:" فكرة القوة العربية المشتركة ستواجه صعوبات جمة، لكن قوة عربية تمثل معسكرا واحدا بعينه ربما تنجح، مع الحصول على رخصة من الجامعة العربية عند الحاجة"، وكأنه يحاول القول، بإن أي عملية قادمة لن تحظى بالإجماع ومن يريد القيام بعمل عسكري فليقم بذلك على مسؤوليته، ومع ذلك اشترط حصول موافقة الجامعة العربية على ذلك.
وأشار جمال سلطان في مقاله "الإعلام المصري يكشف عن أزمة مكتومة مع السعودية" إلى حلف يتشكل بين القاهرة وعمّان وأبوظبي مقابل حلف الرياض الدوحة أنقرة. و تحدثت "الأسوشيتد برس" في تقرير لها (31|3) حول الخلافات بين الرياض والقاهرة أيضا حول ليبيا وسوريا والقوة المشتركة. كما لاحظ المراقبون أن كلمة أمير قطر أمام القمة، كانت مؤشرا إضافيا على وجود تباينات كبيرة داخل الجامعة العربية وبالتحديد حول سوريا وليبيا، وقد اعتبر أمير قطر أن الحل في ليبيا سياسي فقط.
فهل تعزز القاهرة وأبوظبي هذا الشقاق بالتحرك عسكريا بشكل منفرد ضد ليبيا، ليضعوا ما تبقى من آمال وتفاؤل بإمكانية تحقيق وفاق عربي ولو بحدوده الدنيا على المحك؟!