نشرت صحيفة القدس العربي اللندنية ما وصفته "بدرشة" مع الأمير هشام بن عبدالله العلوي ابن عم ملك المغرب في لندن.
وقال العلوي، إن الربيع العربي يشهد حلقة جديدة ممثلة في الحرب الباردة التي تخوضها بعض الأنظمة العربية في الشرق الأوسط فيما بينهما ضمن تفادي تأثيرات الربيع العربي على الوضع الداخلي، هي حرب تستنزفها بينما تراجعت مواضيع كلاسيكية إلى الهامش مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي ورغم الصراع، تستمر حدود سايس بيكو قائمة بدون تغيير.
ويؤكد الأمير الملقب بالأمير الأحمر بسبب مواقفه السياسية الجريئة كيف عادت الأنظمة العربية في الشرق الأوسط إلى التزام الصمت تجاه مطالب المواطنين حول الديمقراطية والشفافية والمساواة، وهي المطالب نفسها التي فجرت الربيع العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2010، لتدخل في صراعات إقليمية هاربة من هذه المطالب ومن التحديات الاقتصادية.
ويسمي هذه الصراعات «الحرب الباردة الإقليمية الجديدة» عبر صراع قديم متجدد بين الشيعة والسنة وكذلك عبر الإخوان المسلمين الذين يجدون أنفسهم لأول مرة في صراع إقليمي متعدد الأطراف.
ويؤكد أن الدول المعنية بهذا الصراع هي مصر وإيران والأردن واليمن وسوريا التي عرقلت الإصلاحات السياسية الرامية إلى إرساء الديمقراطية وتسجل انزلاقات خطيرة، ومن جهة أخرى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وقطر التي حالت دون بداية أي إصلاح بنيوي.
وينتقل الأمير إلى التركيز على الدول المحورية في هذه الحرب، وكيف ترغب في إخفاء الصراع الداخلي ومطالب الشعب نحو الحرية. ويؤكد أن عبدالفتاح السيسي لم يقم فقط بتمديد نظام حسني مبارك بل بإعطائه نفسا خطيرا أكبر، ويصف النظام بأنه لا يرى الواقع المصري الذي يسجل تغيرات اجتماعية هامة قادرة على خلق المفاجأة، علاوة على «البلقنة» الصامتة في هياكل الدولة التي قد تحمل مفاجآت كذلك.
ويؤكد الأمير، الذي يعود نسبه من الأم إلى جده رياض الصلح وإلى محمد الخامس من من جهة الأب، هروب السيسي إلى الصراعات الإقليمية ومنها جر العربية السعودية والأردن إلى حرب مفتوحة على الإخوان المسلمين.
ويرى الأمير ان مصر انجرت إلى مشاكل عميقة، فماليا ترتبط أكبر بمساعدات الخليج، وسياسيا لا يتوفر النظام على قوة سياسية ثابتة عكس مبارك.
وقال إن الحرب الباردة التي تقودها مصر في المنطقة هي ضد حركة الإخوان المسلمين أكثر منها صراعا استراتيجيا مع قوى كبرى في المنطقة.
وأضاف ان اليمن يأخذ البعد الحقيقي للصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران المدعمة للحوثيين، حيث يعكس صراع الأقليات والطوائف الدينية بشكل بارز في هذا العقد وهو ما جعل حزب الله يتدخل في سوريا تحت مبرر دعم الطائفة العلوية القريبة من الشيعة. وفي الوقت نفسه هو عنوان حقيقي للحرب الباردة بسبب العنصر الديني: السنة والشيعة.
ويكشف عن الوجه الآخر في الصراع الدائر في سوريا التي تعيش مأساة إنسانية وثقافة واقتصاد الحرب وانهيار الدولة بشكل واسع. الأمير، يؤكد غياب نقطة جوهرية في تحاليل الخبراء حول «تنظيم الدولة الإسلامية» وهي أن هذه المنظمة هي كونفدرالية لتنظيمات متعددة ومختلفة المشارب، ما يجعلها غير قادرة على التسيير المركزي، كما أن نظامها يقوم على المغانم، وهذا لا يمكن تطبيقه في المدن نهائيا وإن كان يطبق في المجال الريفي.
ويحمل الأمير نظرة مختلفة عن الوضع في منطقة المغرب العربي بسبب معطيات جيوسياسية مختلفة، الذي لا يعيش حربا باردة رغم وجود صراع مغربي ـ جزائري أبدي جعله الربيع العربي يحتل الهامش. الأمير يعتبر أن أنظمة مثل الجزائر والمغرب وموريتانيا تقوم بـ «استجابة مقنعة» لمطالب المواطنين بالإصلاح، بينما هي في العمق تعزز من السلطوية، وإن كانت مقتنعة بأن رياح التغيير ستعود كما كان عليه الوضع ما بين سنتي 2011-2013. يؤكد رهان المغرب على سياسة الاحتواء سواء عبر الحوار أو العنف السياسي، ويراهن النظام على عامل الزمن.
وعلاقة بالجزائر، يتجلى الإشكال في كون السلم الاجتماعي قائما على مساعدات الدولة وتمويلها للحاجيات المادية للشعب وكذلك قائما على الذكرى الأليمة للحرب الأهلية في التسعينات. ولا يستبعد ترتيب جديد للأوراق السياسية تحت ضغط معطيات جديدة وهي تراجع مداخيل البترول مما سيجبر الدولة على سياسة مختلفة لمواجهة متطلبات الشعب ثم الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة الذي سيحتم «عقدا سياسيا واجتماعيا جديدا» في البلاد لتجنب الأسوأ والفوضى.
وحول الآفاق الخاصة بالعالم العربي، يرى في حالة الشرق الأوسط أن الأنظمة هناك لا تعيش فقط الحرب الباردة في الصراع السني – الشيعي والحرب ضد الإخوان المسلمين بل تعيش مواجهة حقيقية مع مجتمعاتها الهادف إلى التغيير، ولن يغطي الصراع الإقليمي على المطالب الداخلية والتي ستطفو بين الحين والآخر وفي شكل عنيف.
ويقف على عامل رئيسي وهو أنه لأول مرة في التاريخ العربي – الإسلامي لم تعد القاهرة وبغداد ودمشق صانعة القرار والقوى المهيمنة بل حبيسة مشاكلها الداخلية.
وفي المقابل، انتقلت الزعامة إلى عواصم مثل الرياض وطهران إلى مستوى أن المعركة الأخيرة بين السعودية وإيران سيكون مسرحها سوريا بعدما بدأت بشكل مكثف في اليمن خلال اندلاع الربيع العربي. ولكن رغم التغيير في الموازين، تستمر الحدود التي أقامتها اتفاقية سايس بيكو قائمة باستثناء حالة كردستان، بل وتعتقد الدول المتصارعة أن الاتفاقية صمام أمان لتجنب انزلاقات أخطر.
وفي منطقة المغرب العربي، ستستمر تونس في التأثير السياسي على شعوب المنطقة، نموذج الديمقراطي السائر نحو التطور سيكون محفزا للمغاربة والجزائريين وموريتانيا للتطلع إلى شبيه له، ولكن لن يتحقق بدون توتر بحكم تردد الأنظمة في تلبية مطالب شعوبها.
ويؤكد الأمير أنه رغم ما يعيشه العالم العربي من توترات، فروح الربيع العربي مستمرة لأن الأمر يتعلق بمسلسل طويل سيستمر زمنا طويلا رغم الإخفاقات المرحلية والانزلاقات لأن هناك وضعا سياسيا جديدا آخذا في التبلور بمفاتيح جديدة ورأي عام عربي جديد.