أفادت مصادر تركية مقربة من رئاسة الوزراء، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتزم القيام بزيارة إلى السعودية في الثاني من مارس المقبل.
وتكتسب زيارة "أردوغان" هذه أهميتها كونها الزيارة الرسمية الأولى بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة وتهدف إلى فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، وكان أردوغان قد قطع جولته الإفريقية وتوجه للسعودية لحضور جنازة الملك عبد الله وتقديم التعزية للملك سلمان.
وأشارت المصادر إلى أن "أردوغان" سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية مساء يوم السبت 28 شباط حيث سيزور مكّة والمدينة قبل أن يتوجه بداية مارس إلى الرياض للقاء الملك سلمان والمسؤولين السعوديين.
مؤشرات التقارب السعودي التركي
برزت على الساحة مؤخراً عدة مؤشرات تنبئ عن حدوث تغير في السياسة السعودية الخارجية، بوجه عام، إضافة إلى مؤشرات خاصة بتغير هذه السياسة على صعيد العلاقات مع تركيا، أبرزها زيارة أردوغان إلى السعودية، لحضور مراسم جنازة الملك عبد الله وتقديم العزاء، وقطع زيارته إلى القرن الأفريقي، في خطوة تكشف مدى تعويل الدبلوماسية التركية على التغيير المتوقع في سياسة المملكة تجاهها.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت السفارة التركية بالرياض عن وصول أول فرقاطة حربية تركية إلى ميناء جدة الإسلامي، في خطوة هي الأولى من نوعها، وصفت بأنها جاءت ضمن جهود تعزيز العلاقات الثنائية مع السعودية، والترويج لأول سفينة تركية حربية محلية الصنع، وهذه مؤشرات كلها تدل على جدية لدى الجانب التركي في التقارب مع الرياض.
كما أن الجانب السعودي بدأ حريصا على تحقيق التقارب مع أنقرة، فولي ولي العهد ووزير الداخلية السعودي الأمير، محمد بن نايف فور تسلّمه لمنصبه، وجه دعوة لنظيره التركي "أفغان ألاء" لزيارة المملكة في 17 فبراير الحالي، حيث جرى التباحث في شأن التعاون الأمني المشترك بين الجانبين، كما زار الجنرال "نجدت أوزال" رئيس هيئة أركان الجيش التركي السعودية في الـ 19 من فبراير الحالي والتقى كبار المسؤولين وحضر كذلك اجتماع قوات التحالف المشترك ضد تنظيم "داعش".
وتهدف الزيارة وفقاً لمصادر تركية إلى توثيق التعاون الثنائي بين كلا البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والتسريع من وتيرة هذا التعاون ومن التنسيق المباشر بين البلدين في الملفات الإقليمية المختلفة وذلك بما يتناسب مع حجم التحديات الكبرى لناحية الزحف الإيراني في المنطقة وصعود حركات التطرّف المسلحة وانهيار الدول المجاورة.
السيسي أول المتضررين
بغض النظر عن قوة العلاقة السعودية التركية في السنوات الماضية ومقدار الفتور الذي انتابها؛ إلا أن المؤكد أن الملف المصري كان له دور رئيس في ذلك ويعد الانقلاب العسكريا الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي في 30 يونيو/ حزيران 2013، الضربة الأعنف التي وجهت للعلاقة التركية السعودية، وبرزت بعده المواقف والتناقضات والتصريحات المتغايرة، فبينما دعمت الرياض، ومعها الإمارات والبحرين، الانقلاب على "مرسي"، وأيدت جميع الإجراءات التي اتخذها "السيسي" بعد ذلك رغم ارتكابه للكثير من المجازر ومنها مذبحة رابعة التي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش أنها أسوأ مذبحة في تاريخ مصر الحديث، وانتخاب السيسي رئيساً لمصر، فيما عارضت تركيا خطوات الجيش المصري ووصفتها بـ"الانقلاب العسكري"، وهاجمت السيسي، بوصفه "قائد الانقلاب"، ما انعكس بروداً وجفاء على علاقات الرياض بأنقرة.
ورأى مراقبون في وقت سابق أن وجود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في جنازة الملك عبد الله، هو العامل الأساسي الذي منع السيسي من حضورها، ودفعه لتأجيل زيارته للسعودية، مستبعدين أن يكون السبب هو سوء الأحوال الجوية كما برر حينها، حيث علق القيادي في حزب "الوسط" حاتم عزام على ذلك بالقول: "بالتأكيد السبب سياسي ويضع علامات استفهام يفهم منها توجس قائد الانقلاب من القيادة السعودية الجديدة و إن شئت قل "سوء الأحوال السياسية".
ويؤكد مراقبون أن أي تقارب تركي سعودي سيكون على حساب التقارب السعودي الإماراتي المصري وسيكون نظام "السيسي" أكثر المتضررين كونه قائم على استجداء المعونات الخليجية وبالأخص السعودية.
النفوذ الإيراني
أصبح النفوذ الإيراني في المنطقة، مصدر قلق عميق للمملكة، ففي حدودها الجنوبية، استطاع الحوثيون، حلفاء طهران في اليمن، السيطرة على صنعاء ومؤسسات الدولة، وفي الحدود الشمالية، أصبحت مليشيات الحشد الشعبي الشيعية، الموالية للحكومة العراقية ومن ورائها لإيران، ذات نفوذ وكلمة عليا في البلاد، في خضم الحرب على تنظيم الدولة.
كما أن أنقرة والرياض صارا على قناعة تامة أن تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاصرته لها في أكثر من جهة بات يهدد مصالحهما المشتركة من جهة، ويخلق البيئة المناسبة لتكاثر الجماعات الإرهابية والمتطرفة من جهة أخرى، الأمر الذي دفع دبلوماسي سعودي إلى القول: "أن ممارسات طهران الطائفية في العراق وسوريا فجرت لنا طوفان من المتطرفين في المنطقة".
ويشدد البلدان على ضرورة احتواء النفوذ الإيراني المتصاعد، والتخوف من طبيعة الاتفاق النووي الذي اقتربت الدول العظمى من توقيعه مع إيران، وهو الاتفاق الذي يتوقع أن يدخل إيران إلى الأسرة الدولية مجدداً، وفي جعبتها العديد من المكاسب السياسية، بفضل "التجاهل" الأمريكي المتعمد لسياسة طهران في المنطقة، أملاً بتخليها عن "الحلم" النووي.