أفاد خبراء اقتصاديون أن أمام دول الخليج خيارات محدودة لتمويل عجز الموازنة خلال العام الجاري، بعدما تراجعت أسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لإيرادات تلك الدول التي لازالت مستمرة في تبني سياسات مالية توسعية.
وذكرو أن دول الخليج بحاجة إلى تطوير أسواق ديونها باعتبارها أحد بدائل تمويل عجز الموازنات الهامة، ولا تزال أسواق الدين المحلي في بلدان مجلس التعاون الخليجي في مرحلة متأخرة مقارنة بالمناطق الأخرى، وتبقى منطقة الخليج المنطقة الوحيدة في العالم التي لا يلعب فيها سوق الدين دوراً أكبر في مجال التمويل، على صعيد تمويل الحكومات بسبب الفوائض المالية التي حققتها تلك الدول خلال السنوات الماضية بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط.
كما اتفق المحللون وخبراء في أسواق الدين كما نقلت عنهم وكالة "الأناضول" حول أهمية اللجوء إلى أسواق الدين في الوقت الراهن باعتباره أمرًا ملحًا وضرورياً لسد العجز الناجم عن استمرار زيادة الإنفاق الحكومي في وقت تتراجع فيه أسعار النفط، الذي لا يزال يمثل المصدر الرئيسي لإيرادات الدول بالمنطقة.
وأعلنت حكومات كل من السعودية والإمارات وعُمان عن موازناتها العمومية السنوية، أخذت جميعها منحى توسعياً من حيث الانفاق على المشاريع والتطوير، في ظل توقع صندوق النقد تحول الفائض في المالية العامة في دول مجلس التعاون الخليجي والذي بلغ 4,6 % من الناتج المحلى الإجمالي لهذه الدول في عام 2014 إلى عجز قدره 6,3 % من إجمالي الناتج المحلى في 2015 بانخفاض قدره 11 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلى.
وتباينت آراء المحللين حول توقيت طرح أدوات الدين، فالبعض يرى الوقت الحالي فرصة سانحة لإتمام ذلك مع انخفاض أسعار الفائدة، فيما يرى أخرون أن الاحتياطات الاحتياطيات المالية الضخمة، وصناديق الثروة السيادية لدى تلك الدول تمنحها بعض الوقت قبل أن تلجأ إلى إصدار سندات وصكوك مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت.
وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، مسعود أحمد الدولي، في تصريحات نهاية الشهر الماضي، إن غالبية دول الخليج لديها احتياطيات مالية قادرة على تمويل العجز في الموازنة حالة استمراره على مدار الأربع أو الخمس سنوات القادمة، فيما السيولة المرتفعة والمتوافرة لدى الحكومات الخليجية، كانت سبباً رئيسياً في جعل إصداراتها أقل في أسواق الدين، وبعضها لم يصدر أي إصدار جديد للسندات والصكوك خلال العام الماضي، وفق ما قاله خبراء.
وتعتبر الصكوك والسندات قناة تمويلية مهمة تستخدمها الحكومات والشركات والمؤسسات لتوفير السيولة اللازمة لسد عجز الموازنة وتمويل مشروعاتها وبتكلفة منخفضة نسبيا.
ورغم وجود احتياطيات ببعض دول الخليج يمكن اللجوء إليها، لسد العجز المحتمل في الموازنة، إلا أن الانخفاض الحاد الذي يشهده سعر النفط حالياً، يستدعي ضرورة لجوء تلك الدول لتنويع مصادر دخلها، وحافظت دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات) على فوائض مالية كبيرة لعشر سنوات متواصلة ما ساعدها على مراكمة احتياطيات خارجية ضخمة.
وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2013 إلى أن دول الخليج الست، لديها احتياطيات من النقد الأجنبي المقومة بالدولار الأمريكي ما قيمته 904,1 مليار دولار، وأن السعودية وحدها تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الاحتياطيات بقيمة 737,7 مليار دولار، وبما يعادل 81,5 % من قيمة اجمالي احتياطيات الخليج من النقد الأجنبي، فيما تعتبر البحرين أقل الاحتياطيات بين دول الخليج، إذ تملك 5,5 مليارات دولار، فيما تملك سلطنة عمان 15,9 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي بنهاية عام 2013.
ويأتي العجز المتوقع في الموازنات نتيجة زيادة النفقات عن الإيرادات المقدرة للعام القادم، وتعتمد دول الخليج بشكل كبير على النفط لتمويل موازناتها العامة، حيث يحدد سعر البرميل ما إذا كانت الموازنة ستحقق فائضاً أم عجزاً في نهاية السنة المالية، ومن هنا تنبع أهمية السعر التقديري أو سعر التعادل، وسعر التعادل هو متوسط سعر برميل النفط، الذي يحقق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة.
وباستخدام بيانات 2014 يلاحظ أن سعر التعادل للموازنة العامة لدولة قطر يقارب 71 دولارا للبرميل (استنادا لسعر نفط خام الإشارة مزيج برنت)، في حين أن سعر التعادل لدولة الكويت هو 77 دولارا للبرميل، وفي الإمارات هو 80 دولارا للبرميل تقريبا، وفي السعودية والسلطنة فهو يقدر بـ 99 و100 دولار للبرميل على التوالي، أما في مملكة البحرين فتم تقديره بمبلغ 136 دولارا للبرميل.
وقال صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، إن سعر التعادل لتحقيق التوزان في موازنات الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى خلال 2015 يصل إلى 57 دولارا للبرميل، والكويت ستكون أكثر دول مجلس التعاون الخليجي تضرراً من انخفاض أسعار النفط، وذلك باحتساب خسائر صادرات النفط كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالي، تليها قطر ثم عمان والسعودية والإمارات والبحرين، وفقاً للبنك الدولي.
وخفض البنك الدولي توقعاته الأخيرة لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في العام الجاري إلى 3,4 % بانخفاض 0,1 % مقارنة بالتوقعات السابقة الصادرة في أكتوبر.
من جانبه قال رئيس جمعية الخليج للسندات والصكوك، مايكل جريفيرتي: "المؤشرات تدل على أن أنماط الإنفاق السابقة سوف تستمر في الخليج لهذا العام على الأقل، ولذلك سيظهر العجز في الميزانيات التشغيلية، ومن المتوقع أيضاً تباطؤ الإنفاق الرأسمالي في بعض الدول، مع المشاريع الجارية التي يجري تنفيذها ببطء أكثر".
وأضاف أن كل دولة لديها احتياطيات إلى حد ما والتي يمكن الاعتماد عليها، فإن الملاذ الأول يتمثل في الاعتماد على تلك الاحتياطيات المتراكمة التي عقدت سواء في صناديق الثروة السيادية أو في بعض الحالات، واستثمرت من قبل البنوك المركزية ولكن لا بد من البحث عن بدائل تمويلية أخرى خصوصاً في ظل التوقعات باستمرار تراجع النفط".
وتابع: "اللجوء لأسواق الدين قد يقلص الاعتماد على الاحتياطيات في مسألة سد عجز الموازنة وسيساعد أيضاً على تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة ويساعد على تخفيض تكاليف التمويل".
وبسؤال "جريفيرتي" حول ما إذا كانت دول الخليج ستلجأ إلى إصدار صكوك أو سندات لتغطية العجز، قال: "لا شك أن إصدار الصكوك من قبل الحكومات للمشاريع التي ترعاها الحكومة سيكون فكرة جيدة لتطوير النظم المالية والمساعدة في تنويع الاقتصادات".
وأضاف: "لا أتوقع أن نرى زيادة كبيرة في إصدار الصكوك أو السندات السيادية لتغطية العجز من السعودية والإمارات وقطر والكويت، على الأقل في الوقت الحالي، وإن كانت هناك استثناءات في البحرين وعُمان التي لا تمتلك سيولة قوية مقارنة بباقي دول الخليج".
وأوضح أن تراجع أسعار النفط لبضع سنوات سيغير تفكير تلك الدول في اللجوء إلى الصكوك والسندات كبدائل لتمويل العجز".
مرحلة مبكرة
بدوره المحلل المالي ورئيس قطاع البحوث لدى "مباشر" للخدمات المالية، عمرو الألفي، قال: "لا شك أن استمرار الانخفاض الحاصل في أسعار النفط سيؤدى إلى مزيد من العجز المالي مما يسهم بشكل كبير في زيادة إصدارات الدين من قبل حكومات الخليج لتمويل هذا العجز والحفاظ على برامج قوية للإنفاق الاستثماري المرتفع".
وأضاف الألفي: "أرى أن الوقت يبدو مثالياُ والفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لبيع السندات والصكوك بسبب انخفاض اسعار الفائدة لدى البنوك المركزية ولكن تبقى إشكالية أن أسواق الدين المحلية في بلدان الخليج لا تزال في مرحلة مبكرة من مراحل تطورها، مقارنة بالمناطق الأخرى".
وأوضح الألفي أنه من الممكن أن تلجأ تلك الدول إلى تمويل ما بين 10 و20% من عجز موازناتها من أسواق الدين المحلية والعالمية التي تمثل بدائل أفضل مقارنة بإجراءات استثنائية تبدو بعيدة الطرح حالياً مثل فرض الضرائب وخفض دعم الوقود".
وفي ذات السياق قال محيي الدين قرنفل مدير الاستثمار في الصكوك العالمية وأدوات الدخل الثابت لدى "فرانكلين تمبلتون" للاستثمار بالشرق الأوسط إن أسواق الدين في منطقة الخليج ستشهد سواء كان ذلك ديناً حكومياً أو إصدارات للشركات والمؤسسات المالية اهتماماُ باعتباره أحد الأدوات المطروحة أمام الحكومات لتمويل جزء من عجز موازناتها.
وأضاف: "توافر السيولة النقدية في الأسواق المحلية يقف دائماً كعائق أمام الإصدارات الجديدة ولكن أعتقد أن الصكوك أصبحت محل اهتمام مرة أخرى بعد أزمة ديون دبي في 2009".
وتوقع قرنفل، أن تشهد الإصدارات الحكومية في الخليج من السندات والصكوك اهتماماً كبيراً سواء من المستثمرين المحليين أو الأجانب، لامتلاكها أسس اقتصادية قوية، مشيراً إلى أن هناك ترقب مستمر في الوقت الحالي لمستويات أسعار النفط من ناحية وأسعار الفائدة في الأسواق العالمي من ناحية أخرى.
ويرى مايكل جريفيرتي، رئيس جمعية الخليج للسندات والصكوك أنه في الوقت الذي أصبحت فيه الإصدارات الحكومية ضئيلة، هناك زيادة في إصدار السندات الجديدة من شركات دول مجلس التعاون الخليجي سواء الحكومية أو الخاصة، لذا ستكون 2015 سنة قوية أخرى مع مجموعة أكثر تنوعاً من الجهات المصدرة للصكوك والسندات وقد يتجاوز الحجم الإجمالي 40 مليار دولار أمريكي خلال العام الجاري".
وأشار جريفيرتى إلى أنه لا تزال توقعاتنا لسوق السندات والصكوك في دول الخليج إيجابية على المدى المتوسط".
كما بلغ إجمالي قيمة السندات والصكوك المصدرة بالعملات العالمية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2014، نحو 32 مليار دولار منها 20 مليار دولار في دولة الإمارات، بحسب بيانات وإحصائيات صادرة عن بنك أبوظبي الوطني.