المناسبات الإسلامية الدينية هي رمز تجمع كل المسلمين وعلى اختلاف مذاهبهم وطوائفهم. فهي تجمعهم حول قضية واحدة هي السلام والتي جاء الإسلام ليؤكدها ويرسخها. ولكن مناسبة المولد النبوي الشريف هذا العام لم تمر بصورة سلسة وسلمية كما يود ملياران من المسلمين تذكرها بل شهد العالم أحداثاً دامية وتنامياً في ظاهرة العنف التي تم ربطها عنوة بالإسلام.
فلقد جاء حادث الاعتداء الإرهابي في مدينة باريس على مبنى مجلة شارلي ايبدو الفرنسية، وقبلها حادثة الرهائن في استراليا، كأعمال جديدة تضاف إلى سلسلة من الأعمال الإرهابية التي ارتكبت باسم الإسلام وتحت غطاء الانتقام للرسول صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء الإرهابيون نسوا حقيقة مهمة وهي أن الرسول محمد بعث للبشرية نبياً وهادياً وكانت رسالته قائمة على السلام والدعوة إلى دين الله بالموعظة والحكمة ونبذ العنف.
ولو قرأ هؤلاء الإرهابيون السيرة النبوية الشريفة لوجدوا فيها الكثير من المواعظ والحكم وما يقنعهم بأن الرسول حتى في أشد وأحلك أيام محنته في مكة وفي خضم العداوة والبغضاء التي أظهرتها له قريش وحلفائها لم يلجأ للانتقام بل نبذ العنف وجادلهم بالتي هي أحسن. فسفك الدماء وقتل الأبرياء ليس من الأعمال التي يدعو لها الإسلام، أو في حقيقة الأمر، أي دين سماوي آخر.
وعلى الرغم من أن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة ليست بالجديدة في التاريخ الإسلامي أو العالمي إلا أن تلك الضجة التي يثيرها هؤلاء الإرهابيون في وقتنا الحالي حول أي عملية يتم تنفيذها يظهرها في نظر الآخر وكأنها لصيقة بالإسلام، كما يظهرها للرأي العام الغربي وكأن الإسلام يدعو لها ويؤيدها.
هذه الأعمال لا تسيء فقط للمسلمين في كل أنحاء الدنيا بل هي دعوة مفتوحة لأعمال انتقامية ضد المسلمين، كما أنها دعوة لإغلاق باب الحوار مع الآخر المختلف عنا فكراً ومذهباً ومعتقداً.
حقيقة زيف هؤلاء المدعين بأن هجماتهم إنما هي للدفاع عن الإسلام ومحاربة أعدائه يظهرها بجلاء تلك الأعمال التي قاموا بتنفيذها.
فليس هناك عمل واحد نفذوه نال رضا المسلمين بل إن جل ما قاموا به قد أغضب المسلمين في كل بقاع الأرض وذلك لأنه يعود بالضرر على المسلمين وعلى الإسلام كافة. لم يصفق لهم إلا قلة من أصحاب النفوس الضعيفة وأصحاب الأجندات الشخصية والذين يهمهم أن يروا الإسلام وقد ضعف ودوله وقد تفرقت وتفتت شملها.
وعلى الرغم من أن ما يطلق عليه «الصحوة الإسلامية» قد ظهرت منذ بداية الثمانينات إلا أن الصحوة الإسلامية الحقيقية هي تلك التي وجهت اهتمامها نحو إظهار وجه الإسلام الحقيقي والدعوة للتعريف بالإسلام وحوار الأديان وغيرها من القضايا التي من شأنها التعريف بالإسلام الصحيح والذود عنه.
أما الدعوة للعنف ونبذ الآخر والقتل وسفك الدماء وهتك الأعراض والتنكيل بالأسرى، فإنها نتيجة من نتائج عدم الفهم السليم للإسلام والمبادئ السلمية التي قام عليها. فقد ظهرت فرق ومنظمات متطرفة لم تسئ للإسلام فحسب بل فرقت المسلمين ومارست القمع والإرهاب في داخل بلاد المسلمين قبل خارجها.
فالإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف هي مناسبات لكل المسلمين بمختلف طوائفهم وفرقهم للتذكر بأن الرسول هو مبعوث للبشرية كافة برسالة السلام والحق والوئام لكل البشر وليس من حق ثلة صغيرة من الناس بأن تختطف الإسلام وتمارس العنف باسمه وتحت مسمى الانتقام للرسول. فالرسول بريء من هؤلاء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ولكن ما هو السبيل نحو اقتلاع جذور هذا الفكر المنحرف وتقديم الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل؟ ما هو السبيل نحو إبراز وجه الإسلام الصحيح الذي يريد الإرهاب أن يغيبه؟ ما هو السبيل نحو منع تأجيج نار العنف والفتنة والطائفية في العالم الإسلامي وإظهار وحدة المسلمين التي تحاول تلك المناسبات الدينية ترسيخها؟
يرجع الكثيرون بأن ما يحدث من حولنا من عمليات إرهابية هي نتاج للفهم غير السليم لتعاليم الإسلام وإحساس قلة من المسلمين بغياب العدالة الاجتماعية وبالتمييز الذي تمارسه المجتمعات الغربية ضد المسلمين وباختلال موازين القوى في العالم وبغياب التوعية الدينية الصحيحة بين الشباب.
فوجود كل هذه العوامل يؤدي في النهاية إلى غياب الفهم الصحيح للدين وتغذية الإرهاب ودفع البعض نحو أعمال غير متزنة تعيد لهم الثقة في قدرتهم على الردع والانتقام بأخذ القانون في يدهم.
لذا فالعمل على إثراء الواقع الاقتصادي والثقافي للشباب والتوعية الدينية السلمية وتوفير العدالة الاجتماعية بما فيها فرص العمل جديرة بإعادة الثقة للشباب ومن المؤكد أنها الطريق نحو عالم خالٍ من الكراهية والعنف ونبذ الآخر وبالتالي خالٍ من الإرهاب.