شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات موسّعة من الدوحة لتحسين علاقاتها مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي. وأكدت مشاركة الكتلة الخليجية في الحملة الجوية الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتطلعات المملكة العربية السعودية لمزيد من التنسيق الإقليمي لمعالجة القضايا الأمنية الإقليمية من ليبيا إلى سوريا على ضرورة عودة علاقة قطر مع جيرانها. وللتوصل إلى انفراجة؛ بدأت قطر مناقشات مع دول مجلس التعاون الخليجي بشأن دعمها المستقبلي لحركة حماس - التابعة لجماعة الإخوان المسلمين - في غزة، بالإضافة إلى شخصيات رئيسية تابعة للحركة مثل «خالد مشعل».
وستعمل قطر على الحد من رؤيتها في موقف الداعم الملحوظ بقوة، ولن تتخلى - على الأرجح عن نجاحات أسهمت فيها من خلال مساعدتها لتلك الجماعات، كما لن تتأثر علاقاتها بدول تؤوي وتدعم تلك المجموعات مثل تركيا والجزائر. وستسعى الدوحة للحفاظ على هذه العلاقات، كما ستحاول العمل كوسيط داخل مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في صياغة السياسات الأقل عدائية تجاه جماعات ترعاها بقوة مثل جماعة الإخوان المسلمين. ومن المرجح أن الرياض وشركائها يتطلعون إلى مساعدة قطر في تحسين العلاقات مع منافسيين إقليميين مثل تركيا؛ خاصة للعمل المشترك على حل قضايا كالأزمة السورية ومواجهة الصعود الإيراني المحتمل.
تحليل
ونظرا لحصارها بين تهديد «الدولة الإسلامية» والمتشددين الإسلاميين، والتقارب بين الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية، والآثار المتبقية من الربيع العربي الذي اندلع عام 2011م وطال دولاً عدّة بالمنطقة، فقد تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات مختلفة لإدارة المشهد الجيوسياسي المتغير في المنطقة المضطربة. وكان النقص في التنسيق بشأن السياسات الإقليمية أكثر وضوحا في النقاش المحتدم المتسم بالانقسام بشأن دعم قطر لجماعات إسلامية ذائعة الصيت مثل جماعة الإخوان المسلمين؛ وهي المجموعات التي تعتبرها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تهديدًا للملكيات في المنطقة.
وقد نفى متحدث باسم حماس ما تردد يوم 6 يناير بشأن ترحيل «خالد مشعل» واصفًا ذلك بالإشاعة. ومع ذلك؛ يشير الموقف إلى التغييرات التي من المرجح أن تقوم بها قطر بشأن كيفية شكل علاقاتها مع جماعات إسلامية مثل حماس والإخوان المسلمين. كما تدعم قطر مجموعات سلفية وفصائل إسلامية أخرى في الصراع السوري، وغالبًا ما تتنافس هذه الجماعات بشكل مباشر مع الجماعات المدعومة من السعودية في ساحة المعركة السورية.
وظلت قطر تعمل ببطء على تنفيذ سلسلة من التنازلات التي تهدف إلى مواصلة خفض التوترات وإثبات حسن النية بينها وبين أشقائها في مجلس التعاون الخليجي منذ تخفيف التوترات بينها وبين دول المجلس - السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة - الشهر الماضي.
وتعمل قطر بشكل رئيسي على ترحيل المقيمين الأجانب المثيرين للجدل على أراضيها (الكثير منهم ينتمون للتيار الإسلامي) إلى مواقع آمنة في أماكن أخرى في المنطقة. ويشاع أن الجزائر وتونس قبلتا سرا إقامة شخصيات إسلامية على أراضيها نظرا لعلاقاتهما مع الجماعات التابعة للإخوان المسلمين. ومن المرجح أن يكون هناك تنسيق مع تركيا بخصوص قضية دعم الإسلاميين المعتدلين في المنطقة.
العلاقات التركية القطرية
لقد أعلنت الحكومات التركية والقطرية تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي من خلال توقيع مذكرة تفاهم لتأسيس «لجنة استراتيجية عليا» لتسهيل مزيد من التعاون بين البلدين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك. وعقد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وأمير قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» مؤتمرًا صحفيًا مُشتركا في أنقرة بعد توقيع مذكرة التفاهم، كما وقع وزراء الدفاع - التركي والقطري - اتفاقًا منفصلاً بشأن التعاون العسكري. وبالإضافة إلى علاقاتها المتبادلة؛ ذكر الزعيمان أنهما ناقشا المسائل ذات الاهتمام الإقليمي التي شملت سوريا وليبيا والعراق وقبرص والآراضي الفلسطينية.
وليس من المستغرب أن تقوم تركيا وقطر في الوقت الراهن بترسيخ العلاقات. ويعكس التوقيت - نفس الأسبوع الذي أعلنت فيه قطر سعيها لإصلاح العلاقات مع مصر وإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين - التزام قطر على المدى الطويل بدعم جماعات إقليمية مثل جماعة الإخوان المسلمين. وتسعى قطر أيضًا للحد من اعتمادها على جيرانها فيما يتعلق بالدفاع الإقليمي، والسعي بدلاً من ذلك لتشكيل روابط أمنية مع دولة إقليمية أقوى.
لذا من المرجح أن نرى ليس فقط تعزيز العلاقات بين أنقرة والدوحة، ولكن أيضًا استمرار الدعم القطري للعديد من الجماعات الإسلامية التي تدعمها؛ ولو في السر.
وسيط إقليمي
وسيتيح الدعم الحذر من قطر للجماعات الإسلامية المعتدلة احتفاظ الدوحة بعلاقاتها مع الجماعات الإسلامية، فضلاً عن الحفاظ على علاقات وثيقة مع أنقرة؛ وهو الشيء الذي لا تستطيعه الرياض بسبب المنافسة الإقليمية بينها وبين تركيا. ومن غير المرجح أن تغير قطر موقفها جذريًا من دعم جماعة الإخوان المسلمين أو الدخول في علاقة أكثر استراتيجية مع تركيا. كما ستقوم بضبط لهجة وأسلوب مشاركاتها وتدخلها لتظهر أقل تحديا لتوقعات المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي.
ربما يغادر «مشعل» إلى أنقرة كجزء من تلك الجهود؛ حيث إن تركيا هي الملاذ الأكثر منطقية له في الوقت الراهن. ولكن على الأرجح أن قطر سوف تسمح لمشعل - رئيس المكتب السياسي لحماس - بالبقاء شريطة أن يحدّ من نشاطاته وظهوره للجمهور. وستشهد الأسابيع القادمة تحركات مشوبة بالحذر بين الدوحة والقاهرة تجاه بعضهما البعض، ولكن هذا من المرجح أن يضع الأساس لنمط مختلف من مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي مع جماعات مثل الإخوان المسلمين.
سوف تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي - في المقام الأول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين - إلى اتخاذ تدابير لحفظ ماء الوجه قبل البدء في إعادة العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الإسلاميين. وإذا كانت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ستتجه نحو تحسين العلاقات مع هذه الجماعات (السيناريو الذي تراه ستراتفور محتملاً) فإنها ستكون بحاجة إلى القيام بذلك وفقًا لشروطها لو وتجنب الظهور كما كانت رضخت للضغوط القطرية. كما ستضطلع قطر بدورها التقليدي كوسيط إقليمي مستعينة بعلاقاتها القوية للمساعدة في تسهيل التوصل إلى اتفاق - ضمني أو غير ذلك - بين دول الخليج والتيار الإسلامي.