د. عبدالله خليفة الشايجي
تشهد منظمة مجلس التعاون الخليجي أكبر أزمة تعصف بالمجلس منذ قيامه قبل أكثر من ثلاثة عقود. والأزمة الخليجية- الخليجية تتمثل في سحب ثلاث دول خليجية هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، يوم الأربعاء 5 مارس 2014، سفراءها من العاصمة القطرية الدوحة، بعد أن طفح الكيل لعدم التزام دولة قطر بـ«اتفاق الرياض»، كما ذكر البيان المشترك الصادر عن الدول الثلاث الذي جاء فيه: «بذلت دولهم جهوداً كبيرة للتواصل مع دولة قطر على كافة المستويات بهدف الاتفاق على مسار نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس تقوم على الأسس الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون، وفي الاتفاقيات الموقعة بينها، بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي»، ويمضي البيان: «مع أن تلك الجهود قد أسفرت عن موافقة دولة قطر على ذلك من خلال توقيع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، على الاتفاق المبرم على أثر الاجتماع الذي عُقد في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2013 بحضور الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، والذي وقعه وأيده جميع قادة دول المجلس، فإن الدول الثلاث كانت تأمل في أن يتم وضع الاتفاق -المنوه عنه- موضع التنفيذ من قبل دولة قطر حال التوقيع عليه» إلا أن كافة تلك الجهود لم تسفر مع شديد الأسف عن التزام قطر بالاتفاق، مما اضطرت معه الدول الثلاث للبدء في اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها وذلك بسحب سفرائها من دولة قطر.
وفي المقابل أصدر مجلس الوزراء القطري بياناً رد على سحب سفراء الدول الخليجية الثلاث من قطر، معبراً عن أسف قطر للبيان الذي صدر من قبل الدول الخليجية الشقيقة الثلاث بسحب سفرائها من الدوحة. وأكد بيان مجلس الوزراء القطري على حرص دولة قطر «على روابط الأخوة بين الشعب القطري والشعوب الخليجية، وهذا هو الذي يمنع دولة قطر من اتخاذ إجراء مماثل بسحب سفرائها...».
وقد التزمت دولة الكويت الحياد في هذا النزاع الخليجي- الخليجي. وبعد أيام من اندلاع الأزمة لم تصدر الكويت أو عُمان أي بيان أو تعليق على الأزمة المستمرة بين الطرفين في البيت الخليجي. وواضح أن كلا الطرفين ترك الباب موارباً «لتسكين» الأزمة وخفض وتيرة التصعيد لأن أي طرف لن يستفيد من تفاقم الأزمة. فسحب السفراء طبعاً يدل على أزمة في العلاقة بين بلدين، إلا أن الأمر لم يصل أيضاً لقطع العلاقات وإغلاق السفارات. والبيان القطري، لم يرد بالمثل ويصعد ويسحب السفراء القطريين من الدول الخليجية التي سحبت سفراءها من الدوحة. وأكد على «التزام دولة قطر الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وكذلك تنفيذ كافة التزاماتها وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها».
ويتطلع طرفا الأزمة الخليجية- الخليجية اليوم إلى دولة الكويت لتقريب وجهات النظر والاستمرار في دور الوسيط المحايد متمثلاً بصاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي أجرى عملية جراحية «بسيطة» في الولايات المتحدة ويتعافى من العملية في نيويورك. وكذلك للسلطان قابوس سلطان عُمان، حيث اتصل بالقائدين أمير دولة قطر خلال الأيام القليلة الماضية.
ويمثل سحب السفير في عالم الدبلوماسية من الدولة المضيفة مؤشراً لبروز أزمة حقيقية في العلاقة بين البلدين لم تنجح الدبلوماسية في حلها.. وذلك يتطلب التعامل بجدية وسرعة مع الأزمة قبل تفاقمها. وواضح أن ثلاث دول خليجية لديها مآخذ على قطر بسبب مواققفها وسياستها وخاصة في التعامل مع قضايا في سياستها الخارجية مع دول ومنظمات وأفراد كما ورد في البيان المشترك للدول الثلاث. حيث ترى تلك الدول الثلاث أن «قطر تغرد خارج السرب»، وأن سياستها ومواقفها لا تساعد على إرساء أمن واستقرار دول المجلس ككل.. وخاصة الدور القطري في دعم ثورات ما سمي «الربيع العربي» وجماعة «الإخوان المسلمين» (التي صنفتها المملكة العربية السعودية يوم الجمعة الماضي بأنها منظمة إرهابية، مع منظمات أخرى)، وعلاقة قطر مع تنظيمات وأفراد مثل يوسف القرضاوي، في داخل وخارج منطقة الخليج، وكذلك تغطية قناة «الجزيرة» أو ما أطلق عليه البيان المشترك «الإعلام المعادي». بينما ترى قطر أن هذه المطالب الخليجية تُعد تدخلاً في شؤون السيادة القطرية، وترفض «الوصاية» أو أن تكون دولة قطر دولة تابعة... بل ترى قطر كما ذكر الأمير الشاب الشيخ تميم بن حمد الذي لم تمض 9 أشهر على تسلمه مقاليد الحكم خلفاً لوالده الأمير حمد بن خليفة الذي تنازل عن الحكم، أن «قطر ليست تابعة لأحد.. وهذه قطر.»، وأننا في قطر «نلتزم بمبادئنا وقيمنا ولا نعيش على هامش الحياة ولا نمضي تائهين بلا وجهة».
واضح أن هناك فجوة بحاجة للجسر بين موقف الطرفين الخليجيين، حيث تبرز اليوم ثلاثة مواقف خليجية بين الدول الست، لأول مرة في تاريخ المجلس الذي نجح وصمد في وجه العديد من العواصف والتهديدات العاتية منذ قيامه قبل ثلاثة عقود ونصف. فهناك موقف دولة قطر، وموقف الدول الثلاث التي سحبت سفراءها، والموقف المحايد والوسيط للكويت وحتى لسلطنة عمان اللتين يمكن أن تلعبا دوراً توفيقياً يقرب وجهات النظر بين الطرفين.
وحتى تنجح دبلوماسية الوساطة يجب أن يطمئن كل طرف الطرف الآخر بالأخذ في النظر ومراجعة المآخذ ودواعي الاستياء لديه، وذلك حتى تسود روح الحكمة والمنطق ويتم تغليب المصالح المشتركة على المصالح الفردية بين الأطراف المعنية. ولذلك على قطر خاصة طمأنة أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي على مواقفها وسياستها الخارجية تجاه قضايا يرى نصف دول المجلس على الأقل أنها لا تخدم الأمن والاستقرار ومصلحة دول وشعوب المجلس، دون أن يمس ذلك من سيادة دولة قطر وسياستها النشطة. وفي المقابل على الدول الثلاث التي سحبت سفراءها أن تضع سقفاً للتصعيد وتمتنع عن المزيد منه حتى تمنح وقتاً للوساطة لنزع فتيل الأزمة ومنح الدبلوماسية الكويتية والعمانية الوقت والفرصة للعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين.. لكي يستعيد مجلس التعاون الخليجي دوره ومكانته، ويعود كما كان عليه التجمع السليم والأكثر تماسكاً في الجسد العربي المترهل! وحتى لا يبقى حلم الاتحاد الخليجي حلماً مؤجلاً!