في مشهد يعكس حجم التحديات الصحية في الدولة، شهدت أروقة المجلس الوطني الاتحادي نقاشاً حيوياً حول قضيةٍ لطالما شغلت المجتمع الطبي والإنساني على حدّ سواء: نقص أسرّة العناية المركزية في المستشفيات وتأثيره على سرعة إنقاذ المرضى.
ففي سؤالٍ وجّهته عائشة إبراهيم المري إلى عبدالرحمن بن محمد العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، حول أسباب هذا النقص وتداعياته على سرعة تقديم الرعاية، شدّدت المري على أن "الوصول السريع لسيارات الإسعاف إلى المستشفيات لا يكتمل أثره الإيجابي ما لم تتوافر أسرّة كافية في وحدات العناية المركزة"، محذّرةً من أن "تكرار إغلاق أقسام الطوارئ بسبب نقص الأسرّة يحدّ من كفاءة العلاج ويضاعف معاناة الحالات الحرجة".
وفي رده على السؤال، أكّد يوسف محمد السركال، المدير العام لمؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، أن المؤسسة تعمل على تحقيق أعلى معايير الجودة والسلامة في جميع منشآتها، موضحاً أن نسبة إشغال أسرّة العناية المركزة بلغت نحو 85%، وأن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد الأسرّة بنسبة 63%، إلى جانب إنشاء أقسام للعناية المتوسطة وتجهيزها بأحدث الأجهزة الطبية.
وأضاف السركال أن المؤسسة اعتمدت نظاماً مركزياً متقدماً لإدارة الطوارئ والأزمات يُعرف بـ "غياث"، يتيح مراقبة الأسرّة عبر لوحات تحكم ذكية تتابع الحالات لحظياً وتساعد على سرعة اتخاذ القرار، مشيراً إلى أن المؤسسة فعّلت أيضاً برامج رعاية صحية ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقليل مدة بقاء المرضى وتحسين جودة الخدمات.
وفي تعقيبها على الرد، عبّرت عائشة المري عن تقديرها لجهود وزارة الصحة والفِرق الطبية، لكنها أكدت أن استمرار النقص في أسرّة العناية المركزة "لا يمثل مجرد تحدٍ تشغيلي، بل قضية تمسّ العدالة الصحية وحق المريض في تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب".
ودعت المري إلى إعادة توزيع الأسرّة وفق احتياجات كل إمارة استناداً إلى دراسات دقيقة، واقترحت تفعيل وحدات عناية مركزة متنقلة لتغطية المناطق التي تشهد ضغطاً مفاجئاً، كما اقترحت تحويل أحد مستشفيات الشيخ محمد بن زايد التخصصية إلى مركز عناية مركزة متكامل يسهم في تخفيف الضغط عن المستشفيات في الإمارات الشمالية.
من جانبه، أثنى عبدالرحمن بن محمد العويس على حرص المري ومتابعتها الدقيقة، مؤكداً أن الطاقة الاستيعابية الحالية للعناية المركزة في دولة الإمارات تفوق بعض المعدلات الأوروبية، مشيراً إلى أن الوزارة ستدرس المقترحات المطروحة وتعمل على متابعتها عن قرب بالتعاون مع مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية.
ويفتح هذا النقاش باباً واسعاً للتأمل في التوازن الدقيق بين سرعة استجابة المنظومة الطبية والقدرة الاستيعابية للبنية التحتية الصحية. فبينما تسعى الجهات المختصة إلى الارتقاء المستمر بالخدمات، يظل المجتمع في انتظار حلول مستدامة تضمن أن تكون كل دقيقة في حياة مريض حرج محسوبة لصالح النجاة لا الانتظار.