كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تحقيق استقصائي هوية رجل يدير شبكة دعارة في أرقى أحياء دبي، يستغل نساء أفريقيات بحجة توفير فرص عمل، بينما يجدن أنفسهن مضطرات لممارسة الجنس لتسديد ديون مصطنعة والتغطية على تكاليف السفر والإقامة.
وتظهر شهادات الضحايا أن الرجل، الملقب تشارلز مويزيغوا، كان يعمل سابقاً سائق حافلات في لندن قبل أن ينقل نشاطه إلى دبي، حيث يُدير شبكة تتيح لحفلات جنسية فاخرة، بأسعار تبدأ من ألف دولار للفتاة الواحدة في الليلة. ويؤكد مويزيغوا أن "الكثير من الفتيات منفتحات ويمكنهن تلبية أي رغبات للزبائن تقريباً"، فيما يظهر التحقيق أن الواقع أكثر خطورة ويكشف عن استغلال جنسي وابتزاز مستمر.
وقالت إحدى الضحايا، التي استخدمت الاسم المستعار "ميا"، إنها لم تكن تتوقع العمل في مجال الدعارة عند سفرها إلى الإمارات، إذ كانت تعتقد أن فرصها العملية ستكون في المتاجر أو الفنادق. وأضافت أن مويزيغوا فرض عليها ديوناً بلغت 2,711 دولاراً في البداية، تضاعفت خلال أسبوعين، شاملة ثمن تذاكر الطيران، والتأشيرات، والإقامة، والطعام، ما أجبرها على ممارسة الجنس لتغطية هذه الديون.
وبحسب شهادات عدة، فإن الشبكة تستهدف نساء من أفريقيا وخصوصاً من أوغندا، وتتعامل مع زبائن أوروبيين بيض، بعضهم يطلب ممارسات جنسية شاذة، بما في ذلك "التبرز على النساء وأكل البراز"، وفق ما ذكرته ميا وامرأة أخرى تدعى ليكسي. وأكدت ليكسي أن رفضها تنفيذ هذه الطلبات يزيد من عنف الزبائن وتصاعد ابتزازهم، وأن خلفية عنصرية كانت تلعب دوراً في اختيارات هؤلاء الزبائن.
موت في المجهول
لم تقتصر المأساة على الممارسات الجنسية، إذ توفيت فتاتان مرتبطتان بالشبكة بعد سقوطهما من شقق شاهقة في دبي، وفق ما ذكره أقاربهن. وإحدى هذه الضحايا، مونيك كارونجي، جاءت من غرب أوغندا، وتوفيت بعد أربعة أشهر من وصولها إلى دبي، بينما تواصل التحقيق في وفاة فتاة أخرى تدعى كايلا بيرونجي، في ظروف مشابهة عام 2021. ورغم اعتراف الشرطة بأن الحالتين تم التعامل معهما كحالات انتحار، أكدت العائلات أن التحقيقات لم تكن كافية، وأن تقارير السموم لم تظهر آثار المخدرات أو الكحول في جسدي الضحيتين، كما لم تتمكن عائلة مونيك من استعادة جثمانها، الذي يُعتقد أنه دُفن في مقبرة "المجهول" في دبي.
وأوضح مصدر سابق من داخل الشبكة، ويدعى تروي، أن مويزيغوا يدير العمليات بطريقة سرية، مستخدماً أسماء أخرى لاستئجار الشقق والسيارات، ودفع رواتب لأفراد الأمن في الملاهي الليلية لتسهيل وصول الفتيات إلى الزبائن. وأضاف أن النساء يلتقين مغنيين ولاعبين مشهورين وأثرياء، وأنهن لا يجدن مهرباً من واقع شبكته المنظمة.
ورغم محاولات بي بي سي للتواصل مع مويزيغوا، نفى جميع الاتهامات، مؤكداً أنه "مجرد شخص يحب الحفلات" وأن علاقاته مع الفتيات هدفها اجتماعي وليست استغلالية، مضيفاً أن وفاتَي مونيك وكايلا وقعتا بعيداً عن نشاطه المباشر، وأن الشرطة حققت في الحادثتين.
لكن شهادات الضحايا تعكس واقعاً مختلفاً، حيث يروي أقارب الضحايا تفاصيل عن حياتهن في دبي، بما في ذلك وجود عشرات النساء في شقق مشتركة، والضغط النفسي والجسدي الذي تعرضن له، والابتزاز المالي المستمر، والتهديدات بالعنف. وقالت ميا: "هناك زبون واحد كان يأمر الفتيات بأفعال مهينة للغاية، وكلما رفضن، ازداد الإصرار والعنف".
ويشير التحقيق إلى أن الشبكة تعتمد على استغلال ضعف أوضاع النساء المهاجرات، وسط ضعف الرقابة ومحدودية تدخل السلطات المحلية في مثل هذه القضايا، رغم أن ناشطات أوغنديات تمكنّ من إنقاذ مئات النساء من ظروف مماثلة. وقالت الناشطة مريم مويزا إن أكثر من 700 شخص تم إنقاذهم من شبكات مشابهة في الخليج، وأن هذه الشبكات تستغل البطالة ونقص الفرص في أوغندا.
ويظهر التحقيق أن هذا النوع من الشبكات ليس محدوداً فقط بدبي، بل يمتد عبر علاقات غير رسمية بين أوغندا ودول الخليج، مستفيداً من سوق العمل المربح هناك، الذي يشهد تحويلات مالية ضخمة للدول الأصلية للعمال المهاجرين.
ويختتم التحقيق بالتأكيد على أن مويزيغوا، رغم نفيه، ما زال قيد نشاطه، وأن عدم الاستجابة من السلطات لطلبات التحقيق من قبل بي بي سي يعكس فجوة كبيرة في حماية الضحايا وتقديم الدعم القانوني لهم. وقد تركت شهادات الضحايا وأقاربهم صورة مؤلمة عن النساء اللواتي وقعن فريسة الاستغلال في مدينة تشتهر بالرفاهية، بينما يعانين في الظل بعيداً عن أعين المجتمع والسلطات.