خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من الصفقات التقنية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مع قادة السعودية، والإمارات، وقطر. إلى جانب بيع أحدث التقنيات الأمريكية، قدم ترامب أيضاً نموذجاً صناعياً أمريكياً يتمثل في تركيز كميات هائلة من النفوذ بين أيدي عدد محدود من الأفراد.
شهد الأسبوع الماضي صدور إعلانات متعددة حول هذه الصفقات، من بينها اتفاق بين الإمارات والولايات المتحدة يقضي بإنشاء أكبر حرم جامعي للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة في أبوظبي. وبموجب هذه الصفقة، ستتمكن الإمارات من استيراد نصف مليون شريحة إلكترونية من شركة "إنفيديا"، التي تُعتبر الأكثر تطوراً عالمياً في مجال تصنيع منتجات الذكاء الاصطناعي.
كما أبرمت السعودية صفقة مماثلة للحصول على الشرائح الإلكترونية، حيث تم الاتفاق على بيع مئات الآلاف من شرائح "إنفيديا بلاكويل" لشركة "هيومين"، وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي يمتلكها الصندوق السيادي السعودي.
وفي خطوة أخرى، أعلنت شركة "سيسكو" عن توقيع اتفاقية مع إحدى شركات الذكاء الاصطناعي الإماراتية تهدف إلى تطوير القطاع التقني في البلاد، في حين تضمنت الاتفاقيات استثمارات سعودية في قطاع التكنولوجيا والتصنيع الأمريكي. كما أبرمت كل من "أمازون ويب سيرفيسز" و"كوالكوم" اتفاقيات تتعلق بالحوسبة السحابية والأمن السيبراني.
تتسم هذه الاتفاقيات بأهمية بالغة لعدة أسباب؛ إذ حرص ترامب -الذي يقدم نفسه كوسيط رئيسي- على اصطحاب وفد من كبار رؤساء الشركات التقنية إلى منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" جنسن هوانغ، والرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" سام ألتمان، وإيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" أندي جاسي، والرئيس التنفيذي لشركة "بالانتير" أليكس كارب، بالإضافة إلى نحو عشرين من الشخصيات الأخرى البارزة في القطاع.
لقد أجرى هؤلاء التنفيذيون مفاوضاتهم مباشرةً مع قادة الدول الخليجية، مما أفضى إلى توقيع اتفاقيات تتعارض مع سياسات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي فرضت قيوداً صارمة على بيع التقنيات الأمريكية الأكثر تطوراً.
كان بايدن قد منع شركة "إنفيديا" وغيرها من الشركات المنتجة للشرائح الإلكترونية من تصدير أحدث منتجاتها إلى دول الشرق الأوسط، نظراً إلى صلاتها الوثيقة بالصين. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول الخليجية ستحتفظ بهذه التكنولوجيا لاستخدامها الخاص، كما تنص الاتفاقيات، أم أنها ستقوم بتقديمها إلى الصين ضمن ترتيبات سياسية خلف الكواليس. يُذكر أن مركز البيانات الضخم المزمع إنشاؤه سيكون من تطوير شركة إماراتية، ولكن سيتم تشغيله وإدارته من قبل شركات أمريكية.
على الرغم من الجدل الذي أثارته هذه الاتفاقيات، أصدرت إدارة ترامب ثلاثة بيانات صحفية أكدت فيها أن الرئيس نجح في تأمين استثمارات تاريخية بمليارات الدولارات من الدول الثلاث الغنية بالنفط. وجاء في أحد البيانات الرسمية عنوان فرعي يقول: "لا نملّ من تحقيق الانتصارات".
هذه الاتفاقيات تتيح لرؤساء شركات التكنولوجيا تعزيز مكاسبهم عبر فتح أسواق جديدة أمام منتجاتهم. هؤلاء التنفيذيون هم نفس الأشخاص الذين يقودون عجلة تطوير الذكاء الاصطناعي، ويبدو أن استخدام ترامب لهم كوسطاء في هذه الصفقات قد يسهم في ترسيخ النموذج الأمريكي في صناعة التكنولوجيا بمناطق جديدة.
ومن الأمور اللافتة أيضاً خلال الجولة، استمرار نفوذ إيلون ماسك في البيت الأبيض، إذ لا يزال أغنى رجل في العالم حاضراً بقوة إلى جانب الرئيس السابق ترامب، رغم تحوله عن مشروعه الحكومي لخفض التكاليف المعروف باسم "دوجي".
لم يكن وجود ماسك في هذه الجولة مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي بالقدر الذي يرتبط به وجود ألتمان وهوانغ، بل إن قيمته الأساسية في إبرام هذه الصفقات تعود إلى سيطرته على قطاع الاتصالات عبر الإنترنت على المستوى العالمي. ففي إطار الاتفاقيات، وقّعت شبكة "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس"، والتي تمتلك أكثر من نصف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، اتفاقاً لاستخدام خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الملاحة البحرية والجوية في السعودية. ولم تقتصر مشاركته على ذلك، إذ قدمت روبوتات "تسلا أوبتيموس" عرضاً راقصاً أمام ترامب وولي العهد السعودي على أنغام أغنية YMCA، بحسب "الغارديان" البريطانية.