أحدث الأخبار
  • 11:55 . "رويترز": جنوب السودان يناقش مع الاحتلال الإسرائيلي تهجير فلسطينيين إلى أراضيه... المزيد
  • 11:50 . 178 يوماً للتمدرس في العام الدراسي الجديد... المزيد
  • 11:18 . إيران: مقتل عنصر أمني في اشتباك مع مسلحين جنوب شرقي البلاد... المزيد
  • 11:18 . قمة ترامب وبوتين في ألاسكا تنتهي دون التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا... المزيد
  • 11:16 . باكستان.. مقتل أكثر من 200 شخصًا جراء فيضانات وسيول مفاجئة... المزيد
  • 11:15 . إصابة شخصين في إطلاق نار قرب مسجد بالسويد... المزيد
  • 08:42 . مرتزقة كولومبيون في حرب السودان.. خيوط تمويل إماراتية تثير عاصفة سياسية وقانونية دولية... المزيد
  • 07:46 . "التربية" تعلن التقويم الأكاديمي للمدارس الحكومية والخاصة 2025 – 2026... المزيد
  • 07:44 . شرطة أبوظبي تحذر من استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لترويج المخدرات... المزيد
  • 12:58 . واشنطن توافق على صفقة "صواريخ" مع البحرين بقيمة 500 مليون دولار... المزيد
  • 12:58 . الكويت تدعو لاجتماعين عربي وإسلامي لبحث تطورات الأوضاع في غزة... المزيد
  • 12:58 . رئيس الدولة وولي العهد السعودي يبحثان تطورات المنطقة في ظل تباينات إقليمية... المزيد
  • 12:57 . ترامب يتوقع اتفاقاً بين روسيا وأوكرانيا بعد لقائه المرتقب مع بوتين... المزيد
  • 12:49 . الإمارات تدين بشدة تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى"... المزيد
  • 12:48 . رفض عربي وإسلامي ودولي لخطة استيطانية إسرائيلية تعزل القدس وتفصل الضفة... المزيد
  • 12:47 . الحكومة الانتقالية في مالي تعلن إحباط مخطط لزعزعة البلاد بدعم دولة أجنبية... المزيد

في اليمن... الوحدة ليست مكسباً والانفصال كذلك

الكـاتب : جمال خاشقجي
تاريخ الخبر: 18-10-2014


اتصل بي الصديق حمد العماري المشرف على مؤتمرات «مؤسسة الفكر العربي» يدعوني للمشاركة في مؤتمرهم القادم المزمع عقده أوائل كانون الاول (ديسمبر) المقبل بالصخيرات في المغرب، واختاروا له عنواناً مناسباً لآلام المرحلة «التكامل العربي بين حلم الوحدة وواقع التقسيم»، قلت له لو حضرت فسأقول إن «الوحدة ليست مكسباً والتقسيم ليس مغرماً»، أعجبته الفكرة فرد قائلاً: «عظيم، ستكون رأياً مختلفاً عن السائد».

نعم، السائد بيننا أن «الوحدة العربية» هي التي ستحل كل مشكلاتنا، سنحرر بعدها فلسطين، ويحل الرخاء عندما يجتمع النفط والأراضي الخصبة والأيدي العاملة في بلد واحد كبير، ولكننا لن ننتبه أن هذه الثلاثة اجتمعت في العراق مثلاً ولم يتحقق الرخاء، وها هو يبحث عن السلامة من التقسيم، ولكننا بعناد نرفض الاعتراف بأن المشكلة في سوء الإدارة والاستبداد، اللذين جعلا الانفصال خياراً مفضلاً على الوحدة، فنتهم المؤامرة الأجنبية.

المشكلة في «كيفية الحكم» فاتحاد بلدين عربيين تحت حكم غشوم ليس مشروع نهضة، وإنما توسعة لرقعة الحكم الغشوم، مثل وحدة مصر وسورية تحت حكم «الزعيم» الراحل جمال عبدالناصر عام 1958، استبدل فيها السوريون وبحماسة ورغبة شديدتين نظاماً ديموقراطياً دستورياً ورئيساً منتخباً بنظام شمولي أمني وزعيم ثوري «خالد». انهارت الوحدة ورحل عبدالناصر، أو بالأحرى رجله في دمشق عبدالحكيم عامر، وترك لهم (حتى الآن) النظام الشمولي الأمني والزعيم الخالد، فمن يريد وحدة كهذه؟

لبنان نموذج انفصالي، فلولا الله ثم الفرنسيين لكان جزءاً من سورية الكبرى، ولو حصل هذا لربما نجا من حربه الأهلية القاتلة عام 1975 التي استمرت عقداً ونصف العقد، ذلك أن دولة حافظ الأسد كانت قوية بما فيه الكفاية أن تلجم الفلسطينيين والكتائب عن تلك المغامرة الغبية التي زجوا أنفسهم ولبنان فيها، ولكن كانت ستفرض على اللبنانيين نظاماً اقتصادياً موجهاً وفاشلاً يحرمهم من متع اقتصاد السوق التي تقلبوا في نعيمها، ليس في لبنان وحده وإنما بعيداً حتى الخليج ومدنه الزاهرة، ولكنهم بالتأكيد ما كانوا سينجون من الحرب الأهلية الجارية في سورية اليوم، التي كانت ستتعقد أكثر بإقحام فسيفساء الأقليات (السورية) الدرزية والمارونية والشيعية في أتونها، إذ سينقسمون بين بشار والثورة.

السعودية والإمارات تجربتان وحدويتان ناجحتان، ليس بسبب النفط، وإنما بسبب «كيفية الحكم» الذي أعطى فوائد لـ «أقاليمهما» المتعددة التي كان يمكن أن تكون دولاً وإمارات صغيرة، وسبباً للتمسك ليس بالوحدة فقط وإنما الإقرار صدقاً بفضلها. في المقابل ليبيا أيضاً دولة اتحادية ونفطية، ولكنها فشلت للسبب نفسه «كيفية الحكم»، ولا يلام في ذلك مؤسس ليبيا الحديثة الملك إدريس السنوسي، وإنما بالطبع معمر القذافي، ولا حاجة للشرح كيف دمر ليبيا ووحدتها معاً.

أما اليمن فهو قصة اليوم في ملحمة «الوحدة والانفصال»، ففي جنوبه شعب يحلم بالانفصال وليس الوحدة، يؤمن أن فيه الحل السحري لكل مشكلاتهم من فقر وتهميش، اجتمعوا الثلثاء الماضي وفي ذكرى ثورة 14 أكتوبر ضد المستعمر الإنكليزي على اختلاف مشاربهم، وطالبوا صراحة بانفصال الجنوب عن الشمال، بل أعطوا الشمال فرصة حتى 30 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ليجمع عسكره وموظفيه ويرحل، ولكنهم من دون قوة منظمة كالحوثيين الذين فتحوا باب هذه التغيرات الهائلة في اليمن، إنهم بلا قيادة متفق عليها ولا قوة عسكرية، اجتمعوا تحت شعار استعادة جمهورية جنوب اليمن وعلمها، من دون أن يتفقوا على تفاصيل ونظام حكم الجمهورية الجديدة، وإنما «الانفصال أولاً ثم يحلها الحلال».

لو كانت آلية الانفصال عبر استفتاء لانفصل الجنوب بغالبية ساحقة، فالوحدة التي تحققت عام 1990 لم تحقق رخاء لا للشمال ولا للجنوب. كان نظام علي عبدالله صالح فاشلاً تنموياً في الشمال، فامتد بفشله إلى الجنوب الذي تحول إلى مجرد غنيمة أخرى له ولرجاله. حتى أسباب الوحدة يومها لم تكن صادقة، كان الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن يتداعى ومعه جنوب اليمن نتيجة فشله في الإدارة والتنمية ثم صراعه الداخلي، وأخيراً انهيار الشيوعية حول العالم، حتى عندما احترب الحزب الاشتراكي وزعيمه علي سالم البيض مع الشمال وصالح، كان صراعهم حول السلطة وليس حول قضية تنموية أو خلاف حول خطة للنهوض باليمن.

ولا يزال التدافع اليوم في اليمن حول السلطة، لذلك ليس في الوحدة مكسب يستحق أن يموت اليمني الشمالي للحفاظ عليه، ولا في الانفصال خير يستحق أن يموت الجنوبي من أجله، ولو استمر التداعي في اليمن باستمرار زحف الحوثيين الغامض على بقية الأقاليم اليمنية موفرين أرضية مناسبة لانفصال الجنوب بصفقة ما، يعقدونها مع أحد ما، فكل شيء وارد في اليمن هذه الأيام، فسيستيقظ الجنوبي حراً مستقلاً على أرضه من دون جيش ولا حكومة، ولا توافق وطني، ولا شخصية قيادية مجمع عليها، بل حتى سيختلفون حول تشكيل مجلس تأسيسي، يتطلعون إلى جارتهم الشمالية السعودية لعلها تكون الأخ الأكبر ليقودهم إلى الاستقرار، ولكن حتى الآن لا تريد المملكة أن ترسل أية رسالة أنها طامعة في أي شبر من أرض اليمن، بل هي متمسكة بالدولة اليمنية الواحدة، ودعم التحول السلمي في اليمن مع شركائها الخليجيين والدوليين، بل إنها تخشى على اليمن الجنوبي في ما لو انفصل أن يكون لقمة سائغة لعدوها (وعدو الجنوبيين) «تنظيم القاعدة»، الذي سيكون القوة العسكرية الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الذي سيحصل في حال انسحاب أو انهيار جيش وأمن الحكومة المركزية، فيكون الجنوبيون كالمستجير من رمضاء الشمال بنار «القاعدة».

اختيارات صعبة، أحلاها شديد المرارة، وسط ضبابية هائلة في المشهد، فالحوثيون يتمددون في كل اليمن الشمالي مسقطين المدينة تلو الأخرى، في الوقت نفسه يحافظون على هيكلة الدولة القائمة، ويشاركون في اختيار رئيس الوزراء ومن ثم أركان حكومته، ولكنهم في الوقت نفسه يلغون الدولة بنقاط تفتيشهم وسيطرتهم على المقار الحكومية والموانئ والمطارات، بل حتى موقفهم من انفصال الجنوب غير واضح.

فما العمل إذاً؟ يسأل الجنوبي الباحث عن حياة أفضل وأمن وهو يرى التحولات الهائلة في الشمال، هل يغتنم الفرصة وينفصل على رغم كل المخاطر، مستغلاً ضعف الحكومة المركزية وانشغالها، أم ينتظر ليرتب أوراقه ويوحد صفه؟ ولكن قد تضيع الفرصة، إذ قد تستقر الأوضاع في الشمال بحكومة شابة ثورية قوية متحمسة يقودها الحوثيون؟ الإجابة: لا أعرف.